وصف الكتاب:
تطورت جرائم النقل الجوي خلال النصف الثاني من القرن الماضي تطوراً نوعياً, وظهرت أنماط جديدة تميزت بصفات وخصائص معينة, واتسمت بقدر كبير من الخطورة ودقة التنظيم, فعلى الرغم من التقدم العلمي الحاصل في مجال النشاط الجوي، غير أن هذا التقدم أنتج معه جرائم جديدة, وسهل عملية ارتكابها، الأمر الذي أدى إلى جسامة النتائج المترتبة على تلك الأفعال، إذ يكفي وقوع حادث واحد؛ لقيام كارثة بشرية. ومنذ البداية, سعت الدول إلى إيجاد نظام قانوني يعالج التهديدات التي يتعرض لها النشاط الجوي، فكان أول تنظيم لمسائل النقل الجوي على صورة أوامر وتشريعات داخلية في الدول التي عرفت هذا النوع من النشاط قبل غيرها، غير أن المسألة سرعان ما أخذت طابعاً دولياً فرضته طبيعة النشاط الجوي ذاته، وامتد هذا التنظيم لمسائل كثيرة ترتبط بالملاحة الجوية، بل إنه شمل أمور هي في الأصل من صميم الاختصاص الداخلي للتشريعات الوطنية. وفي ضوء ذلك ظهرت الجهود الدولية, من خلال عقد العديد من الصكوك الدولية متعددة الأطراف, في محاولة لتنظيم النشاط الجوي, ومواجهة التهديدات الماسة بسلامته وأمنه, لاسيما من أفعال التدخل غير المشروع الموجهة ضد سلامة الطيران المدني؛ كما كان للوقفات الثنائية بين الدول واتخاذ القرارات من قبل المنظمات الدولية, الأثر الهام في الحد من الأفعال التي تستهدف النشاط الجوي. ونظراً للطبيعة الخاصة للنشاط الجوي والنتائج الخطرة التي يمكن أن تحدث, نتيجة الإضرار الفعلي به، عمدت السياسة الجنائية الحديثة سواء على المستوى الدولي, أم على المستوى الوطني, إلى تجريم, ليس فقط السلوك الذي من شأنه تعريض سلامة النقل الجوي للضرر، وإنما تجرم أيضاً, السلوك الذي يترتب عليه تعريض هذه المصلحة للخطر, وذلك في محاولة مسبقة قبل الوصول إلى مرحلة الضرر، بل ذهبت التشريعات الوطنية والدولية, إلى إقرار إجراءات وقائية وأمنية أحاطت بها عناصر النقل الجوي تهدف أساساً إلى عدم الوصول أصلاً إلى مرحلة الخطر, وذلك؛ لمنع أي نتائج يمكن أن تحدث نتيجة تعريض المصلحة المحمية للضرر أو الخطر. فقد عالجت هذه التشريعات الأفعال غير المشروعة التي تستهدف سلامة النشاط الجوي, وذلك من خلال تجريم أفعال الاعتداء الواقعة على عناصره؛ كتجريم أفعال الاعتداء على الطائرات, سواء كانت الأخيرة في حالة طيران أم لا, وكذلك تجريم أفعال الاعتداء في مواجهة من هم على متن الطائرة, سواء كانوا مسافرين أم أفراد طاقم, أم ممتلكات. ولم تقف هذه الحماية عند هذا الدور, بل تتعداه إلى توفير الحماية لأشخاص النقل الجوي على الأرض, الذين يؤدون دور في خدمة مرفق النقل الجوي, كما تمتد هذه الحماية أيضاً لمنشآت الطيران المدني وتجهيزاته من أي أفعال غير مشروعة يكون من شأنها الإخلال بالسير الطبيعي لهذه المنشآت أو التجهيزات. ولما كانت الطائرة هي الوسيلة الأساسية للنقل الجوي, فضلاً عن تميزها عن غيرها من وسائل النقل الأخرى, لا سيما السرعة التي تتمتع بها, فان ذلك مكنها من تجاوز حدود الدولة التي أقلعت منها؛ وهي إذ تقوم بذلك, فإنها تقلع من دولة, وتمر فوق عدة أقاليم لدول مختلفة, وتهبط في إقليم دولة أخرى, حاملة على متنها أشخاص ينتمون لدول مختلفة, الأمر الذي شكل ضرورة وجود قواعد دولية, ووطنية لمعالجة الاختصاص القضائي, وبيان القانون واجب التطبيق حيال الجرائم التي ترتكب على متن هذه الطائرات أو ضدها, لضمان عدم إفلات الفاعلين من المحاكمة والعقاب. وعلى الرغم من حرص التشريعات الدولية والوطنية, على بذل أفضل الجهود, لإيجاد قواعد قانونية فاعلة, تحاكي التطور السريع والمستمر الحاصل في مجال الطيران المدني, بهدف ضمان أمنه وسلامته من أفعال التدخل غير المشروع, غير أن هذه الجهود لم ترقى لمستوى التهديدات الجديدة والناشئة, التي تحيط بمرفق النقل الجوي وعناصره, باعتباره من أهم المرافق الحيوية في الدولة, وأداة ربطها وتواصلها مع العالم الخارجي.