وصف الكتاب:
لم تكن الدولة العثمانية التي شغلت العالم لأكثر من خمسة قرون أكثر من دولة انطلقت من جوهر القبيلة إلى كيان الدولة إلى إطار الإمبراطورية، دولة انتصارات على ما جاورها من دول أو صراعات مع القوى المعادية لها قومياً ولغوياً فحسب، بل كانت دولة تمتاز بوحدانية المهاجمة وإسكات الخصم وإلحاقه بها تابعاً يتمتع بحيز من الحرية الاقتصادية والاجتماعية، في حين سلبت منه كلياً صياغة القرار السياسي وتنفيذه. وهذا دليل على تطلع سلاطين آل عثمان إلى الشهرة والمجد بدلاً من تجسيد قيمهم الأخلاقية ومبادئهم العسكرية التي برعوا فيها، وأدهشوا العالم حتى تاريخه بدقة الأسس التي اعتمدوها. لقد شهدت مؤسسة العثمانية الإدارية وقبة قرارهم السياسي تحولاً ملموساً بدءاً من عهد سليم الثاني حتى عهد السلطان عبد الحميد الثاني، فقبلهم وفي عهد آبائهم وأجدادهم كان ملوك أوروبا وأمراؤها يتوافدون إلى استانبول لخطب ودّهم، ويدفعون الأتاوات لهم مرغين للحصول على إذن التجول في بحار ممالكهم، أو المرور في بقاع ولاياتهم، وفي النصف الثاني من القرن الثامن عشر، حتى أوائل القرن العشرين، بدأ السلاطين العثمانيون يتسللون خلسة إلى الحدود للتوقيع على معاهدات إذعان، وقبول الاحتفاظ بثغور لا تسمن ولا تغني من جوع. لقد تميز تاريخ الدولة العثمانية بصفة عامة بحروب ثانوية لم يجنوا منها إلا الضعف والعجز المالي وقرف الجنود من حدوثها ومن تفاهة أسبابها ونتائجها، لأنها كانت حروباً مفتعلة، تسببت فيها زعامتها التقليدية والعقلية الطوباوية لبعض السلاطين التي كانت تأتمر بأمره النساء وضعاف العقول ممن يحيطون به، وقد عجلت هذه الإرهاصات العسكرية في عجز السلاطين الذين خلفوهم عن إجراء بعض الإصلاحات التي تعني الدولة الضعف والانحطاط، وتضعف قدرتها التنظيمية على استيعاب متطلبات العصور التاريخية ومفاهيمهم الضرورية. لقد عانت الدولة العثمانية بفضل عدم قدرة سلاطينها التأقلم مع العصور ومستجداته، ورفضهم لمبدأ صراع الأجيال ترهلاً قائلاً لكل نظمها ومؤسساتها فتفاقم الترهل والجمود وأصبحت مسألة الإصلاح قضية مستحيلة على السلاطين الجادين في إحداثه، لأن اضطراب الحدود وتهديدات الأعداء التقليديين لها كانت تنعكس سلباً على الأوضاع الداخلية التي كانت تُدار هي الأخرى بعقلية التقليديين الرافضة لأي محاولة من شأنها إيجاد نشاط إصلاحي قد يطيل بعمر الدولة أو يضمن لها تطوراً مرتقباً وتجدداً محتملاً. وهكذا لم تبق تلك الفعلية التقليدية المترهلة والسلاطين الضعاف الذين خلفوا السلطان سليمان القانوني شيئاً جميلاً في تلك الإمبراطورية التي شغلت العالم قروناً، وتوغلت قواتها العسكرية في أكثر المناطق صعوبة، ومهلكاً، وتمكنت من أن تُخضع لنفوذها شعوباً اتصفت بالقوة والشراسة. بهذا النهج وضمن ذلك السياق كتب "محمود علي عامر" تاريخ الدولة العثمانية معتمداً اعتماداً كلياً على المصادر العثمانية والمراجع التركية الحديثة، وقد حاول المؤلف جاهداً نقل الأحداث التي واجهتها الدولة منذ قيامها وحتى الإقرار بحتمية انهيارها، وآثر ذكر الحوادث الرئيسية فيها تبعاً لما حدثت ودون تدخل مباشر، وقد ركز عملية التدخل في فصل خاص دوّن فيه رؤيته الخاصة في تقويم سلاطينها بدافع الحزن والأسى لا بدافع التشهير والتشفي. وزيادة في الإيضاح ضمن المؤلف بحثه مجموعة هامة من الصور التوثيقية لرجالات الدول العثمانية.