وصف الكتاب:
إن للفن فاعليته القصوى وأثره المهم في تخصيب الرؤية الشعرية عند شعراء الحداثة؛ خاصة إذا أدركنا أن الفن رؤية جمالية لحركة الأشياء؛ أو رؤية تنظيمية لعلاقة الأشياء مع بعضها بعضاً؛ ولهذا يعد فن الشعر- تحديداً- الفن الجمالي الذي يمتلك أنموذجه الخيالي الأبرز أو الأسمى في ربط الأشياء وإعلاء قيمتها الجمالية، بقدرته على التوليف الجمالي؛ وتخليق اللذة الجمالية في هذا العمل الفني أو ذاك؛ لأن الفن أولاً وأخيراً فاعلية جمالية، وقدرة إيحائية عالية لا يمكن إنكارها في كل فن إبداعي ممتع. الدكتور عصام شرتح الدكتور عصام شرتح وأنا أعتقد أن الفاعلية الجمالية تمثل ذروة النضج الإبداعي لدى الشاعر، أو الفنان؛ لأن الفاعلية الجمالية تعد الأس الفني في الحكم على قيمة المنتج الإبداعي من حيث الحساسية، والعمق، والتأثير، والجمال، والقدرة الفنية على خلق الاستثارة والتأثير؛ ولهذا يمثل” العمل الفني- لدى المبدع-والمتأمل- تخليصاً من الطاقة المشاعرية العليلة التي كانت قد تراكمت لأقصى الحدود لديهما على اتجاهات معينة، نتيجة لكبتها، ولاستحالة التخلص منها إذ ذاك؛ومن هنا، نستطيع أن نفهم إلى أي حد يمكن أن يكون الفن تنفيساً”(1). وهذا التنفيس لا يسم الفن الشعري فحسب؛ وإنما يسم الشخصية الإبداعية ككل في وعيها، وتوقها، واستعدادها الروحي، واحتدامها الشعوري؛ وتحريكها للطاقة المشاعرية التي تفجرها الشخصية المبدعة إزاء موقف ما، أو حدث معين يثير الذات الفنانة؛ ويحركها من الداخل؛ وتعد الفاعلية الجمالية في قمة المثيرات أو المحفزات الجمالية التي تشد المتلقي إلى جوهر العمل الفني؛ لأن المحفز الجمالي هو الذي يغزو القلوب؛ ويتملك العقول؛ ويبعث في النفوس المتألمة عذوبة وسكينة ونشوة روحية ما بعدها راحة، ولذة، ونشوة، وسكينة، ووفق هذا التصور والمفهوم الرؤيوي يرى الشاعر طالب هماش أن الصياغة الشعرية الراقية هي لذة، وانسجام، وسقسقة إيقاعية للحروف والكلمات بتناغم وانسجام ينشأ من تآلف الحروف وانسجامها وتناغمها؛ إذ يقول:”في كل جملة شعرية يجب أن تتلامس الحروف مع بعضها برقة، وتناغم كتلامس الأجراس، لتصدر دقات الموسيقى العذبة. يجب أن تلعب الحروف مع بعضها كما تلعب الأسماك في بركة الماء الصغيرة. يجب أن ترقص كما ترقص النافورة في صحن الدار. يجب أن تكون رشيقة في انتقالها بين السطور. فالكلمات الحية توشوش، وتزقزق وتسقسق وتهدهد؛ خصوصاً إذا كان موضعها جميلاً في الجملة الشعرية. فالكلمات الحية تتعانق، وتتعارف، وترقص، وتهزج، وتهدأ، وتغفو، وتأمر روح السامع بالاسترخاء والإغفاء بعد انفعال جميل لذيذ،.. وبهذا المعنى أحاول اكتشاف الانسجام بين الجمال الموسيقي( الصوتي) والجمال التعبيري؛ والذي ينتج من التلاقح الصحيح بين الحروف والكلمات، واكتشاف المخزون الانفعالي والإيقاعي؛ خصوصاً حين يسيطر حرف ما على النص؛ ويتكرر في دوامة الأحاسيس المستيقظة،والمنسابة في سهولة ويسر؛ حين تترقرق الحروف في الجملة دون نشاز؛ يسيطر إحساس متناغم على اللغة، ويجعلها طيعة تماماً كما يترقرق الماء في المجرى خالقا عالماً من التناغمات والسقسقات”(2). وهذا يعني- في المحصلة- أن للفن عموماً والفن الشعري خصوصاً طقوسه الفنية، ومتطلباته الرؤيوية، ومقوماته الجمالية التي تجعله يستحوذ على قيمته الإبداعية، بوصفه فناً إبداعيا راقيا؛وتدخل في مفدمتها الفاعلية الجمالية التي هي أساس كل فنً والمنبع الذي تتجمهر فيه معظم الفاعليات الفنية جميعها ؛ وفي مقدمتها ما يلي: 1- الفاعلية التصويرية: ونقصد ب( الفاعلية التصويرية) القدرة الجمالية التصويرية التي تنبع من مخيلة الفنان؛ ودهشة التـأمل – لديه- عبر الإنتاج الجمالي، والقريحة الإبداعة المنتجة. ولا نبالغ إذا قلنا: إن من محسنات الفنون الإبداعية الجمالية جميعها قدرتها التصويرية المثيرة التي تكسب الفن قيمته الجمالية؛ خاصة القول الشعري الذي يتخذ بعداً جمالياً بهذه القدرة، ويستعلي بهذه القيمة؛ولهذا؛” تعدّ الصورة الفنية جزءاً حيوياً في عملية الخلق الشعري؛ فهي من أهم خصائص التعبير الشعري، وأقوى أركان البناء الشعري. فمن خلال الصورة تتعمق دلالات النص الشعري وإيحاءاته، وتتجلى القوة الإبداعية التي يمتلكها الشاعر؛ فإذا كان الإيقاع يحتسب عناصر اللغة كلها؛ فإن إيقاع الصورة يتجلى من خلال صلة الصورة بفاعلية اللغة، ونشاط التركيب، وقوة الشاعرية”(3). ووفق هذا المنظور؛ فإن الفاعلية التصويرية هي التي تحدد درجة الشعرية في بنية النص الشعري؛ وهي أساسية في تكوين الرؤية الجمالية للقول الشعري ؛ شريطة أن تدخل في تكوين الصورة الكلية للقصيدة؛ وهذا ما ألمح إليه الشاعر المبدع فؤاد كحل بقوله:”الصورة أساسية في بناء الشعر على أن تكون جزءاً لا يتجزأ من تكوين الصورة الكلية للقصيدة؛ والتي –بدورها- توحي بتصور شامل للحالة الإبداعية التي انبجست عنها القصيدة؛ وإلا فقد تكون أقرب للمجانية”(4). ولهذا؛ تعد الفاعلية التصويرية من مثيرات الفنون جميعها على حد سواء؛ من حيث الإثارة، والتحفيز، والجمال؛ خاصة فن الشعر الذي يستمد طاقته ونبضه الروحي، وحساسيته الجمالية من إيقاع الصورة ومدها العاطفي، وتيارها الشعوري الافق،وفضائها التأملي المفتوح على آفاق رؤيوية ودلالية خصبة؛ ومن هذا المنطلق؛ تعد الفاعلية التصويرية الإجراء الجمالي الذي تتخذه القصيدة في تعضيد رؤيتها، وموقفها الشعوري؛ وتحقيق إثارتها، وتعميق مكنونها الرؤيوي؛ ومغزاها الفني؛: