وصف الكتاب:
الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد r وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعــد جعل الله تعالى التنوع البشري سنة من سنن الكون، بل هو آية من آيات الله، قال تعالى: ]وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ . إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ{( ) وسيبقى هذا الاختلاف بين الناس في الدين وغيره من شئونهم مستمراً إلى يوم القيامة( ). فالتنوع الثقافي، والتنوع العرقي، وحتى التنوع الاعتقادي يمثل صورة من صور الخصوبة المعرفية، لذلك قال تعالى: ]وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا{ ( )، ولا يمكن أن تتحول هذه الصورة من التنوع إلى حاجز من الانكفاء والانكماش على الذات، والنظرة إلى الدم أو العرق، وإذا برزت هذه الصورة السلبية نكون قد تحولنا لحالةَ من ”لتحاربوا” إما ثقافياً أو حقيقةَ، بدلاً من التفاوت، ومن ثم فإن كل محاولات إذابة الفروق على أي مستوى كان، إنما هي محاولة لمصادمة الفطرة، لذلك لم تنجح المحاولات التي أريد منها إذابة الفوارق الدينية أو العرقية أو الثقافية أو الحضارية، ولن تنجح، لأنها تتناول سنة من سنن الله - عز وجل قضى - في الأزل - سبحانه - أنها باقية، لترفد هذه البشرية بالمعرفة المتزايدة، فجاءت فكرة المواطنة، وبرزت بقوة لتدافع عن هذه الخصوصيات، ولتقوم بعملية توفيق بين هذه الأخلاط المتنوعة، ولتحول دون أن تتصادم( ). فالمواطنة إذن تعد إحدى الركائز الأساسية للمجتمع باعتبارها أسمى درجات العدالة عند التعامل مع جميع أبناء الوطن الواحد بوصفهم متساويين في الحقوق والواجبات، لا فرق بين مواطن وآخر، ولا تفرقة بين المواطنين على أساس الدين أو الجنس أو الأصل، وهو ما يعني في الحقيقة إعلاء كاملاً لقيمة الوطن، وتطبيقاً شاملاً لأهم مبادئ حقوق الإنسان التي نصت عليها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية. وتأتي الحماية الدستورية للمواطنة في مقدمة ضماناتها القانونية، نظراً لم تتمتع به القواعد الدستورية من أهمية بالغة في حياة الشعوب، جعلتها تتبوأ قمة التسلسل الهرمي في البناء القانوني للدولة. وتتمثل الحماية الدستورية في أمرين أساسيين: النص عليها في صلب الدستور، والرقابة على دستورية القوانين واللوائح ، كما أن تلك الحماية التي تمنحها نصوص الدستور لحقوق المواطنة وواجباتها الواردة في صلبها تتبلور في منحها حصانة لتلك الحرية العامة، فلا يجوز المساس بها أو تعديلها إلا من خلال المشرع الدستوري، ومن جانب ثاني فإن الصورة الثانية للحماية الدستورية تتمثل في الرقابة على دستورية القوانين، وتبدو أهمية هذه الرقابة في أن وحدة الدستور وما يتضمنه من نصوص لا يكفي وحده لتحقيق أية حماية للحريات العامة، وإنما تأتي هذه الحماية من خلال تنفيذ أحكام الدستور واحترامه والتزام الجميع به. من جهة أخرى فإن الحماية القضائية للمواطنة، تعد إحدى الضمانات الأساسية لحقوق وواجبات المواطنة في مواجهة جهة الإدارة. ويقصد بهذه الرقابة تلك التي تتولاها المحاكم المختلفة في كل نظام قضائي على أعمال الإدارة المختلفة بقصد التحقق من مشروعيتها، وهي تعد أكبر أنواع الرقابة ضماناً لحقوق المواطنين وحرياتهم العامة، وتحظى الحماية القضائية بهذا الدور نظراً لما يتمتع به القضاء من جدية ونزاهة واستقلال عن أطراف النزاع، ودراية كافية بكافة الشئون القانونية ومسائل المنازعات. وقد وفقنى الله - تعالى - لاختيار موضوع للبحث وعنوانه الحماية الدستورية والقضائية للمواطنة - دراسة مقارنة بين القانون الوضعي والشريعة الإسلامية وكان من أسباب اختيار هذا الموضوع ما يلي: أولاً: ما تضمنته التعديلات الدستورية في مارس 2007 من تعديل لأربع وثلاثين مادة اشتملت على العديد من المجالات .. السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، ومن بين هذه المجالات تبرز المواطنة كواحدة من أهم محاور التعديلات الدستورية لارتباطها بالمواطن وحرياته وواجباته، باعتباره ركيزة من الركائز الأساسية لقيام وبقاء الدولة على أساس العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، هذا من جانب. ومن جانب آخر باعتبار هذا المبدأ ـ وفقاً لتلك التعديلات ـ معياراً لممارسة النشاط السياسي والحزبي في الدولة دون تمييز بسبب الدين، أو الجنس، أو الأصل، أو العقيدة. ثانياً: بيان مدى أهمية المواطنة كإحدى مجالات التعديلات الدستورية، من حيث اعتبار المواطنة أساساً لنظام الدولة وفقاً للمادة الأولى من الدستور. ثالثاً: بيان إلى أي مدى يمكن أن تساهم المواطنة في دعم تماسك هذا المجتمع في مواجهة التحديات المختلفة، وبخاصة أمام محاولات الخلط بين الدين والسياسة، وما تقره العولمة من تداعيات. رابعاً: إيضاح موقف القضاء الدستوري والإداري في شأن مبدأ المواطنة. خامساً: إظهار عظمة الشريعة الإسلامية في اعترافها لغير المسلم بذات الحقوق وتحميله ذات الواجبات الخاصة بالمسلم، طالما قبلا العيش معاً في وطن واحد، فلا شيء يمنع تعايش المسلم وارتباطه مع غيره بميثاق المواطنة. وقد وضح ذلك من خلال تطبيقات المواطنة في صحيفة المدينة، وهي الوثيقة التي أنشئت بها اول دولة إسلامية، وأيضاً من خلال العهود الدستورية الموثقة التي قررت لنصارى نجران في العام العاشر الهجري كامل المساواة مع المواطنين المسلمين، وكان الشعار الذي وضع للتطبيق هو ”لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وعلى المسلمين ما عليهم، حتى يكونوا شركاء فيما لهم وفيما عليهم”. صعوبة الدراسة: إذا كان لكل بحث صعوباته، فقد كانت الصعوبة الكبرى لهذه الدراسة تكمن في إيقاف العمل بالدستور أكثر من مرة، فقد عاصر البحث عدة دساتير هي: دستور 1971، والإعلان الدستوري في 2011، ثم دستور 2012، وأخيراً دستور 2014، هذا بخلاف الإعلانات الدستورية المكملة الصادرة في فترة إعداد هذا البحث، مما استلزم تعديل الرسالة أكثر من مرة حتى تتواءم مع التعديلات الدستورية والقانونية الحديثة. هذا بالإضافة إلى عدم الاستقرار الأمني في البلاد في تلك الفترة الناتج عن المظاهرات والإضرابات والاعتصامات، وتغيير النظام السياسي في الدولة، مما كان له الأثر البالغ على الحركة والتنقل التي أثرت بشكل مباشر في صعوبة وعناء الحصول على المادة العلمية من مصادرها الأساسية كالجامعات ومعارض الكتب والمكتبات، هذا من جانب. من جانب آخر فقد واجه الباحث صعوبة أخرى لا تقل حجماً عن الأولى تتمثل في ضرورة الاطلاع على عدد كبير من مراجع فروع القانون والقضاء والفقه الإسلامي، ذلك أن هذا الموضوع جوانبه متعددة، فهو يتصل في جانبه القانوني بالقانون الدستوري والنظم السياسية بصفة أصلية، وكذلك القانون المدني والإداري والجنائي والتجاري وغيرهم من فروع القانون الأخرى، ويتصل بجانبه القضائي بالقضاء الدستوري من ناحية، على اعتبار أن المحكمة الدستورية العليا مهمتها الأساسية الرقابة على دستورية القوانين واللوائح ، وبالقضاء الإداري من ناحية أخرى، على اعتبار أنه الحصن المنيع لحماية الحقوق والحريات. ويتصل بجانبه الشرعي بالشريعة الإسلامية، لاسيما الفقه الإسلامي، والنظريات العامة في الفقه الإسلامي، والنظام السياسي الإسلامي للدولة ، على اعتبار أن الفقه الإسلامي - وهو العلم بالأحكام الشرعية العلمية المكتسبة من أدلتها التفصيلية - هو الذي يضبط مسيرة الحياة للإنسان، وعلاقة الفرد بالمجتمع والدولة. هذا بالإضافة إلى الرغبة في أن تخرج هذه الدراسة في عدد محدود من الصفحات، مما فرض عليّ الإيجاز ما استطعت في بعض المواضع، محاولاً أن أقابل هذا الإيجاز بالإشارة إلى المراجع التي يمكن الاستزادة منها. منهج البحث: نظراً لطبيعة موضوع الدراسة فقد تم الاستعانة بعدة مناهج بحثية، تاريخية، تحليلية، وصفية، تكاملية، وذلك للاستفادة قدر الإمكان من جميع طرق البحث العلمي، حتى لا يقتصر المنهج البحثي على الوصف التشخيصي من خلال ضبط المصطلح ضبطاً متناسباً مع مقتضيات البحث ، بل تتعداه إلى تحليل نصوص الدستور والتشريع وأحكام القضاء والفقه الإسلامي مع المقارنة بينهم بغرض استظهار مجموعة من النتائج والتفسيرات والقواعد التي من شأنها أن تسهم في تقديم الحلول الملائمة لأي مشكلة معروضة. وفي ضوء ذلك فقد قمت بتقسيم هذا البحث إلى مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة :- أما المقدمة، ففي أسباب اختيار الموضوع وأهميته وصعوبة الدراسة ومنهج البحث وخطته. الباب الأول: التنظيم الدستوري للمواطنة في القانون الوضعي والشريعة الإسلامية. وفيه أربعة فصول :- الفصل الاول : نشأة وتطور مفهوم المواطنة في القانون الوضعي والشريعة الإسلامية. الفصل الثاني: كيفية منح المواطنة ومقوماتها فى القانون الوضعى والشريعة الإسلامية. الفصل الثالث: المفاهيم المرتبطة بالمواطنة في القانون الوضعي والشريعة الإسلامية. الفصل الرابع: الآثار المترتبة على تطبيق مبدأ المواطنة فى القانون الوضعي والشريعة الإسلامية. الباب الثاني: الحماية الدستورية والقضائية لحقوق المواطنة في القانون الوضعي والشريعة الإسلامية. وفيه أربعة فصول : - الفصل الاول: ماهية الحماية الدستورية والقضائية وأساليبها وأهميتها فى القانون الوضعى والشريعة الإسلامية. الفصل الثاني: الحماية الدستورية والقضائية للحقوق المتعلقة بشخص المواطن فى القانون الوضعى والشريعة الإسلامية (الحقوق الشخصية ). الفصل الثالث: الحماية الدستورية والقضائية للحقوق المتعلقة بفكر المواطن فى القانون الوضعى والشريعة الإسلامية (الحقوق الفكرية ). الفصل الرابع : الحماية الدستورية والقضائية للحقوق المتعلقة بنشاط المواطن فى القانون الوضعى والشريعة الإسلامية (الحقوق المدنية والسياسية ). الباب الثالث: الحماية الدستورية والقضائية لواجبات المواطنة في القانون الوضعي والشريعة الإسلامية. وفيه فصلان:- الفصل الاول : الحماية الدستورية والقضائية لواجبات المواطنة المالية فى القانون الوضعى والشريعة الإسلامية الفصل الثانى : الحماية الدستورية والقضائية لواجبات المواطنة غير المالية فى القانون الوضعى والشريعة الإسلامية