وصف الكتاب:
ركن بازيّات / هُمْ و نحنُ ..الـمعرفةُ والإبداع بقلم الأستاذ يوسف الباز بلغيث في 10 مايو, 2014 شارك صحيحٌ أنَّ لكلّ زمنٍ رجالاتِه و مبدعيه ، و يُخطئُ مَنْ يعتقدُ بأنّ الإمكاناتِ التي توفّرُ للواحد منّا – كما هي حالُنا اليومَ – ستجعل منه روائيًّا أو شاعرًا أو فنّانا أيــًّا كانت درجةُ إبداعه و عبقريّته.و لو نقلّبُ صفحاتِ تاريخنا الأدبيِّ القريب ، لوجدنا أنّ الكتُبَ النّادرةَ و الدّواوينَ و الموسوعاتِ التي كانت تكتنفها الجودةُ و يُضيّقُ أنفاسَها الجوُّ العامُّ لمعظم البلدان العربيّة آنذاك من ٱستعمارٍ و فقرٍ و ٱقتصادٍ متدهورٍ، فضلا عن قلّة المراجع مقارنةً بتكنولوجيا اليوم لمْ تكنْ همًّا و مطلبًا و سعيًا ..ما يجعل من أسباب التّحصيل ( تثقّف / تفقّه ) عواملَ صعبٌ إدراكُها؛أو لنقلْ – بحكم تلك الأسباب السّابقة – مبحثَ أولي النعمة من الكتّاب و الأدباء و الفنانينَ ،فما كان بينَ يدي الأمير الشّاعر أحمد شوقي لم يكنْ بمقدور شاعر النّيل حافظ إبراهيم.لأوجِّهَ الكاشفَ إلى زاويةِ المعرفة ، التي كان يركن إليها هم ، و مقدارِ و كميّةِ الإبداع التي صدرتْ عنهم ؛ و لا أريدُ أن أقلّلَ من شأن الزّاوية نفسها لدينا نحن اليوم، و قد يكونُ الفارقُ بينهما شاسعا أو ضئيلاً ، ليس بمبحث همّي في هذه السّطور ، إنما مقدارُ العطاء و قمّةُ التّعاطي و صدقُهما مع ما كان داخلا في نطاق المخزونِ المعرفيِّ لديهم ؛ و لا أجدُ ما يُفسّرُ هذا الفارقَ غيرَ ما تداعى – في زمن الرّدّةِ الثّقافيّة اليومَ – من تجاريّةٍ لا مقوّمَ لنهمها و لا ضابطَ ، لا تريدُ أنْ تُفرّقَ بين الأهمّ من المهمّ ، قبلَ أنْ تسوق إلى مَظانّنا الجمالَ من القبح . ففي زمنٍ غيرِ بعيدٍ كان التّكالبُ على حرفِ أحدِهم لا تفقَه حسَّه هذه التجاريّةُ العرجاءُ ، و إنْ تسلّلتْ إلى سوقِها سلعةٌ ، تعترفُ بعدم جودتها ، و لكنّها تُؤمنُ بنزاهةِ الطّلب و حسن العرض. .. اَعترفُ بأنني أكتبُ بحزنٍ عن أملٍ أتعشّقُ نيلَ مناه ! و تُعجزني ردّةٌ تُوقّرُ الجميلَ ،و تحفظه بصناديقَ زجاجيّةٍ لمّاعةٍ بمتحفٍ نزورُهُ كلّما ساقنا الحنينُ إليه.و اَعترف بأنهم كانوا يكتبون بأملٍ عن آلامهم المشْرقةِ ، بنور مشاربِهم و طُهرِ رؤاهُم ، و قد أسّسوا لكلّ هذا بعد عناءٍ و جهدٍ و عملٍ و حبٍّ ، و كانوا على أملِ أن نحفظَ العهدَ و نمُدَّ في أجلِه. .. يخفق أنينُ موجعاتِ القلبِ و مُهمّاتِ الفكر شيئا فشيئا ، و تسكنُ الجوارحُ إلى طمأنينةٍ كلّما علِقتْ بحلّ إحداها.و لكنَّ النّبضَ المتشرّبَ بالحزن ،الـمُتمنّع عن السَّفاسِفِ يجدُ ضالّتَه في تلك الثّورة ، رغمَ ما تسوق من دمـَارٍ أو خرابٍ ، معتقدا بحلول زهرٍ جديدٍ ، مُتولّدٍ عن رمادٍ كثيب! .. إنّهُ حُلُمٌ واحدٌ و ألمٌ واحدٌ ،و آمالٌ مختلفة!..تتداعى كلُّها بنبضِ القلم المستفردِ بأنينِه ذلك ،المستوحشِ بحنينه إليهم ، مؤمنًا بنبوءة الأقلام و خلافة الحرف ، معتقدا بنزول الوحي ذاتِه ، السّاحر على رأس تلك السّطور ، و لكنْ بحُلّةٍ قُدُسيّةٍ مغايرةٍ ، ظانًّا بعبثيّةِ “ألبير كامو” و بحكمةِ “فيكتور إيغو” و بعبقريّة “العقّاد” و رؤى “المنفلوطيّ” و نرجسيّة “نزار” و قلق “السّيّاب” و ثورة “مطر” و حزن “الشّابيّ” و فلسفة “جبران” و عشق “السّمّان” و رقّة “مَيْ” !..و لا غروَ أنّ ما تدثّرتْ به آفاقُهم سوى ما تداعى إلينا بعضُ ألقِه و قلقِه و شبقِه! .. أؤمنُ بخلافةِ الحرف و أكفرُ برئاسةِ الأقلام ؛و قد تستطيع إقامةَ حكمٍ لحرفٍ و لا يكون لقلمه أيُّ صولجانٍ ، يُثني عليه كبرياءَه و يُشيدُ بعنفوانه ؛ و قد يحكمُ حرفٌ قبلَ و بعد مماتِ قلمِه ، على فقرِ حالِه ، و قد وهبَ الدّنيا غنًى لا يُوصف. .. إنّ ما يتداعى إلى نُهانا دونَ إذنٍ منّا ، هو نفسُهُ ما تملّك الذينَ قبلَنا دون إذنٍ منهم أيضا.و القيمةُ التي نرجوها من هذه الزّيارةِ أنّ ما تسلّلَ إلى إلينا كم سيكونُ ثمنُه في حياتنا قبل مماتنا ؟ و نحنُ ندركُ أنّ ما يُوجعُ ظهرَ حرفِنا اللحظةَ و لا يأبه بأنينِه أحدٌ ؛ هو جالبُ الحظّ السّعيدِ و العلاجِ الشّافي لما يوجعنا بعد لحظاتٍ ! و الشّاغلُ أنّك تقولُ كلمتَكَ ، و تنثرُها بين النّاس ، و تأملُ ما تأملُ ؛ و المصيرُ مجهولٌ و النتيجةُ محسومة.