وصف الكتاب:
في الوقت الذي كانت تنعم فيه مصر في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري بحركة فكرية شاملة، كانت لبنان هي الأخرى تشهد بعثا حضاريا وازدهارًا فكريا، ورغبة جامحة في التجديد، ووصل بالقديم، ودعوة جادة إلى إحياء التراث العربي، ودراسة آثاره وكنوزه، وكان من نصيب لبنان أن تشارك في حركة الإحياء بعدد من الأعلام والمفكرين، بعثوا في الحياة الثقافية روحًا جديدة وثّابة. ويأتي في مقدمة هؤلاء الأعلام والمفكرين الشيخ “ناصيف اليازجي” الذي أحيا البيان العربي الرصين، وقرّب علوم اللغة إلى شُدَاة الدارسين وكان حجة في اللغة والأدب، وشاركه في قوة “أحمد فارس الشدياق” صاحب جريدة “الجوائب” والمؤلفات القيمة، لعل من أشهرها “الجاسوس على القاموس” سجّل فيه انتقاداته ومآخذه على معجم “الفيروز آبادي” المعروف بالقاموس المحيط. وأسهم أيضا في هذه النهضة “بطرس البستاني” في اتجاهات متعددة، لعل أبرزها وضعه معجم “محيط المحيط” في مجلدين، ثم اختصره في “قطر المحيط”، وكان بذلك من رواد صناعة المعاجم في العصر الحديث، وكان له سبق في وضع أول دائرة معارف عربية مرتبة على حروف المعجم، ولكنها لم تكتمل. وفي جنوب لبنان حيث منطقة “جبل عامل” كانت تُجرى محاولات لإنشاء مدارس على النظم الحديثة، كُتب لبعضها النجاح، وفي الوقت نفسه ظلت المدارس العاملية الشيعية تقوم بدورها في التعليم والتثقيف، وكانت تدرس النحو والبلاغة والأصول والفقه والحديث، وتخرّج فيها عدد من علماء جبل عامل.