وصف الكتاب:
لهذا أخفينا الموتى: رواية أقرب لأن تكون شهادة ذاتية لكاتبها وائل الزهراوي عن تجربة اعتقاله، وما عايشه من ظروف قاهرة ولا إنسانية، ومعاناته أبان الثورة السورية التي بدأت في ٢٠١١م. تبدأ الرواية أو الشهادة من وائل الذي يكتب بصيغة المتكلم يخبر قرّاءه عمّا حصل معه، وائل في المعتقل في إحدى فروع الأمن، نفهم بعد ذلك أنه في مدينة حلب، ونفهم أيضا أن وائل أحد الناشطين في التظاهر في الأيام الأولى للثورة. وائل في معتقل تحت الأرض محشورا مع أعداد كبيرة جدا غيره في غرف لا تتسع لهم، وأحيانا في زنزانات أصغر، يتناوب عليهم عناصر الأمن تعذيبا وضربا كل الوقت، وليس في أثناء التحقيق فقط. وائل داخل مسلخ بشري بكل معنى الكلمة، المحقق معهم يعودون إمّا موتى من آثار التعذيب أو بين الحياة والموت، لا أهمية لحياة المعتقلين، فإن مات أحدهم تحت التعذيب أو في أثناء التعذيب المستمر المصرح به للسجانين، يرمى في غرفة الموتى أو في الممر الضيق في قبو فرع الأمن، يتعايش وائل مع استباحته وهدر إنسانيته رغما عنه، المهم أن يستطيع مواصلة الحياة. عاش وائل والمعتقلون حوله أهوال عذاب لم يكن يحلم به أو يتصوره، ويمكن أن يعيشها البشر، أشكال التعذيب متنوعة بجميع أدوات الضرب والشبح والدولاب والصعق الكهربائي والحرق بالشمعة، الأسوأ التعذيب، التجويع، والتعطيش، ومعايشة المعتقلين الميتين حولهم كل الوقت. الهدف الأساسي للمعتقل أن يحافظ على حياته وعقله، ينجح القليل بذلك، الأغلب يموت بهذه الظروف أو يجن ثم يموت، كثيرين يقتلون بالتحقيق أو بتعذيب السجانين المفوضين بشكل مطلق بحياة هؤلاء البشر المقرر تعذيبهم أسوأ تعذيب وأطول وقت ممكن، وإن ماتوا بعد ذلك فلا مشكلة. هؤلاء المعتقلين ضحية جروح وكسور وأمراض لا تعالج بل تتفاقم لتصبح أوبئة مؤلمة ومهلكة، معايشة جثث الموتى والمصابين والدود ينهش بهم، معايشة استدعاء المعتقل للتحقيق، أما أن لا يعود مطلقا، أو يعود ميتا، أو يعود مهشما بين الحياة والموت، قد يستمر بالحياة وعلى الأغلب يموت بعد وقت قصير. التحقيق؛ لا تحقيق فقط مبرر لمزيد من التعذيب والقتل، لم نعرف ما هي جريمة وائل سوى أنه متظاهر مثل مئات آلاف الشباب السوريين، هدف اعتقال الشباب والنساء والأطفال هنا هو تعذيبهم من ثم قتلهم، هذا ما يفهمه وائل. في المعتقل نساء كثيرات، أطفال يشاهدون الأهوال ويستغيثون ولا مجيب، عائلات كاملة أب وأم وأطفالهم، يقتل الأطفال تحت بصر الأهل وتغتصب الأم وتقتل، ويقتل الأب بعد أن فقد عقله، هذه نماذج متكررة يشاهدها وائل ولا يستطيع أن يفعل شيئا، بالكاد يستطيع الحفاظ على حياته. يعايش وائل كل ذلك وهو موقن أنه سيموت مثل غيره في المعتقل، تهيمن عليه صورة طفلتيه، وما أخبارهم؟ وكيف يعيشون في الخارج؟ هم بقايا الأمل الذي يربطه بالحياة خارج المعتقل، يستدعى للتحقيق مجددا ولا جديد عندهم، لكن رحلة العذاب تتجدد، يتعايش مع من حوله يذهل من قدرة البعض في هذه الظروف القاسية واللاإنسانية أن يبتسم وينصح ويصبّر ويزرع الأمل، أن يتفانى في خدمة غيره من المعتقلين، وأن يتقدمهم لينال قسطهم من التعذيب، وهذا يعني أن يموت في أغلب الأحيان. يستدعى وائل ليبلغ أنه سيفرج عنه، لم نعلم لمَ اعتقل إلا تكهنات، أنه ناشط بالتظاهر، ولا لماذا أطلق صراحه يعود إلى بيته وكأنه خُلق من جديد، ممتلئا رعبا من هول ما عايش. عاد لحلب التي وجد أنها انقسمت بعضها محتل من النظام كما عبر والبعض في يدي الثوار، لكنهم تحت الحصار والقصف والدمار والموت المحتمل كل الوقت، أصبحت حياة الناس جحيما بين انتظار رغيف خبز لا يأتي وأطفال أدمنوا الجوع، ومحاولات العبور للشطر الآخر للحصول على خبز وبعض خضار ليكون الثمن طلقة قناص وموت جديد يتراكم في قائمة موت السوريين. يعاود الأمن اعتقال وائل، لتعود قصة الاعتقال والعذابات المصاحبة لها مجددا، ثم يفرج عنه دون أن يعرف لماذا اعتقل أفرج عنه. عاد مجددا لمعاناة حياة الحصار والتجويع والقصف والتدمير لمدينته حلب. وفي يوم يبلّغ أن الأمن يبحث عنه. يقرر الهرب يحصل على هوية مزورة، ويتوجه إلى الحدود التركية، وهناك يصل إلى حاجز يسيطر عليه الثوار، يشعر بالحرية والسعادة، يخبرهم عن حاله، لكنهم يكذبونه ويتهمونه بأنه قد يكون مخترقا للثورة ومخبرا للنظام. يصاب بالصدمة والخيبة وتساءل إلى أين تقودنا الثورة والثوار؟. كان قبل هروبه قد زار بيت أحد المعتقلين الكبار بالسن الذي أصرّ عليه بزيارة بيته. نعم كان هذا الرجل قد هرب من سوريا إبان الصراع مع النظام في ثمانينات القرن الماضي إلى الغرب حيث صنع نفسه وبنى مجده الاقتصادي، لكنه بقي يحن للبلد وللحرية، عندما حصلت الثورة عاد إلى سوريا ليعتقل مجددا ثم يقتل ويدفع ثمنا متأخرا لصالح النظام. تنتهي الرواية؛ ووائل بعيدا عن سوريا في قارة أخرى، يدوّن ما حصل معه ومع كثير من الشعب السوري، يدونه شهادة للتاريخ، ووثيقة لعل العدالة تتحقق يوما ويحاسب نظام مستبد همجي مجرم عن أفعاله كلها. في تحليل الرواية نقول: نحن أمام رواية مؤلمة.. مؤلمة جدا، شهادة للتاريخ، توثق أفعال النظام لذاكرة الشعوب، وانتصارا للحق وللعدالة القادمة يوما. منتصرة للشعب السوري وما قدم من تضحيات، موثقة الألم ناشرته للمعرفة والهواء النظيف، وليوم ما تشرق به شمس الحرية. نعم قدم الشعب السوري أجيالا متتابعة عبر عقود من المعتقلين والشهداء والمنفيين المطالبين بالكرامة الإنسانية وبالحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل. وسيستمر بذلك إلى أن تنتصر ثورتنا، ونسترد حقوقنا الإنسانية كشعب وأفراد يستحقون الحياة والأمل والمستقبل الأفضل.