وصف الكتاب:
تعتبر براءة الاختراع الوسيلة القانونية لإضفاء الحماية القانونية على الاختراع موضوع البراءة، إذ تعتبر سند الملكية لصاحبها، وما يترتب على ذلك من قصر الاستئثار بالاختراع والاستفادة منه بالطرق القانونية لصاحبه وحده. ويعتبر الترخيص باستغلال الاختراع موضوع البراءة احد الحقوق التي اقرها القانون لصاحب البراءة.إلا أن هذا الحق الذي تمنحه البراءة لصاحبها ليس حقا مطلقا، بل انه مقيد زمانيا ومكانيا كما سنرى. وبما أن من واجب صاحب الاختراع موضوع البراءة أن يقوم بالاستغلال الفعلي للإختراع، وإلا تعرض للشطب أو للإباحة بالاستعمال من طرف الغير، أو قد يكون محلا للترخيص الإجباري للغير من طرف الدولة. لذلك فالأولى أن يقوم صاحب البراءة باستغلال الاختراع بنفسه ، إلا أن هذا الأخير قد لا تتوافر لديه الإمكانيات المادية للقيام بذلك ، أو عدم تمكنه من استغلال الاختراع موضوع البراءة لأي سبب من الأسباب ، لذلك يقوم بالترخيص للغير باستغلال البراءة ،أو احد الحقوق المترتبة عليها. وقد انتشرت في الوقت الحاضر عقود ترخيص براءات الاختراع، لذلك سوف نتناول في هذه الدراسة هذا العقد، من خلال تقسيم الموضوع إلى أربعة مباحث على النحو التالي:- المبحث الأول:- مفهوم براءة الاختراع وشروط منحها المبحث الثاني:- حقوق والتزامات مالك براءة الاختراع المبحث الثالث:- مفهوم الترخيص ألاتفاقي باستغلال براءة الاختراع وشروطه المبحث الرابع:- اثارالترخيص الاتفاقي باستغلال براءة الاختراع المبحث الأول:- مفهوم براءة الاختراع وشروط منحها سوف نتعرض في هذا المبحث إلى مفهوم براءة الاختراع من خلال المقصود بالإختراع وبراءة الإختراع،ثم الشروط التي يجب توفرها في الاختراع حتى تمنح لصاحبه البراءة . المطلب الأول:- تعريف براءة الاختراع عرف الفقه (1)الإختراع بأنه كل إكتشاف أو إبتكار جديد وقابل للاستغلال الصناعي، سواء تعلق ذلك الإكتشاف أو الإبتكار بالمنتج النهائي أو وسائل الإنتاج وطرقه. كما عرفت بعض القوانين الإختراع ، فقد عرفه قانون براءات الاختراع الأردني رقم(32) لسنة 1999 في المادة الثانية بأنه " أي فكرة إبداعية يتوصل إليها المخترع في أي من مجالات التقنية وتتعلق بمنتج أو بطريقة أو بكليهما تؤدي عمليا إلى حل مشكلة معينة في أي من هذه المجالات ". أما القانون الإتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة لسنة 2002 في شأن تنظيم وحماية الملكية الصناعية لبراءات الإختراع والرسوم والنماذج الصناعية ، فقد عرف الإختراع في الفقرة السابعة من المادة الأولى منه بأنه " الفكرة التي يتوصل إليها أي مخترع وتتيح عمليا حلا فنيا جديدا لمشكلة معينة في مجال التكنولوجيا". وقد فسر القضاء الأردني الاختراع بأنه" فكرة ابتكاريه تجاوز تطور الفن الصناعي القائم والتحسينات التي تؤدي إلى زيادة الإنتاج أو تحقيق مزايا فنية أو اقتصادية في الصناعة مما تتوصل إليه عادة الخبرة العادية أو المهارة الفنية"(2). أما براءة الإختراع فقد عرفها الفقه(3) بأنها " الوثيقة التي تصدرها الدولة للمخترع إعترافا منها بحقه في ما اخترع أو للمكتشف فيما اكتشف، فبراءة الإختراع شهادة رسمية تصدرها جهة إدارية مختصة في الدولة إلى صاحب الإختراع أو الإكتشاف، يستطيع هذا الأخير بمقتضى هذه الشهادة إحتكار إستغلال إختراعه أو إكتشافه زراعيا أو تجاريا أو صناعيا لمدة محدودة وبقيود معينة. كما يكون لصاحب البراءة أن يتمسك بالحماية القانونية للإختراع في مواجهة الغير". المطلب الثاني:- شروط منح براءة الإختراع يتطلب منح براءة الإختراع توافر شروط موضوعية،تتمثل في جدة الإختراع وقابليته للتطبيق الصناعي إضافة إلى مشروعيته،وهناك شروط شكلية تتمثل في الإجراءات التي يجب مراعاتها للحصول على براءة الاختراع . الفرع الأول:- الشروط الموضوعية أولا:- شرط الجدة والإبتكار لا بد أن يكون الإختراع المراد تسجيله جديدا ولم يسبق الإفصاح عنه إلى أحد قبل التقدم بطلب البراءة عنه. وعليه إذا ما علم سر الإختراع قبل تقديم طلب البراءة عنه أصبح مشاعا للجميع ، ويحق حينئذ لأي شخص إستغلال الاختراع دون أن يعتبر ذلك اعتداءا على حق صاحبه الأصلي، لإن هذا الأخير لم يحرص على كتمان سر اختراعه ، حتى يكافأ بإعطائه حق الاستئثار بهذا الإخترع. وتفسير ذلك أن حق الاستئثار الذي يعطيه القانون للمخترع ما هو إلا مقابل ما يقدمه المخترع من جديد للمجتمع، فإذا لم يقدم الأول للثاني أية أسرار صناعية لم يعد هناك أي مبرر لكي يمنحه القانون براءة إختراع، وذلك لإنقضاء المقتضى من إعطائه وحده دون غيره حق استغلال الإختراع(4) . إلا أن الكشف عن الإختراع للجمهور لا يعتد به إذا حدث ذلك خلال سنة واحدة ، سواء قبل تاريخ إيداع الطلب أو قبل تاريخ أولويته، وكان ذلك بسبب إجراءات اتخذها صاحب الإختراع أو سلفه أو نتيجة لذلك، أو إذا حدث ذلك بسبب أعمال تعسفية من فعل الغير ضد صاحب الطلب(5). ويعتبر شرط الجدة والابتكار من الشروط الأساسية لمنح براءة الإختراع، رغم أن الجدة لا يمكن إثباتها إلا عن طريق إثبات تخلفها(6). وذلك عن طريق إثبات سبق الكشف أو العلم بالإختراع، بحيث يعد ذلك واقعا ضمن الفن الصناعي السابق والمعلوم. فإثبات الجدة يتم بطريقة سلبية ، فيعد جديدا كل ماهو غير موجود في الحالة السابقة للصناعة التي تتكون من كل ما أصبح متاحا للجمهور، بموجب الوصف المكتوب أو الشرح الشفوي أو للإستخدام بأي وسيلة قبل يوم إيداع طلب الحصول على براءة الإختراع أو الطلب المودع لدى الدولة الخارجية والذي يعطي له حق التقدم والأولوية، وقد أصبح من ضمنها النشر على الإنترنت، ويتطلب في الكشف أو البوح أو النشر عن الإختراع الذي من شأنه هدم جدة الإختراع أن يكون نشرا حقيقيا محققا وكافيا لعلم الجمهور. وقد أقرت محكمة العدل العليا الأردنية ذلك بقرارها أن العنصر الرئيسي الواجب توافره في الإختراع ليكون قابلا للتسجيل هو أن يكون الشيء المخترع شيئا جديدا مبتكرا غير معروف من قبل(7). ثانيا:- قابلية الإختراع للتطبيق الصناعي يعتبر الإختراع قابلا للتطبيق الصناعي، إذا كان يمكن الإستفادة منه عمليا عن طريق إستعماله أو إستغلاله في أي من المجالات الصناعية، كالصناعات الزراعية أو الصناعات الإستخراجية أو الصناعات الإنتاجية والحرف اليدوية وغيرها(Cool. فالإبتكارات التي لا يمكن استغلالها صناعيا تستبعد من نطاق منح البراءة ، فلا يجوز منح براءة اختراع عن الفكرة المجردة أو النظرية المحضة أو المبدأ العلمي البحت أو القوانين أو النظم(9)، لإن مجال كل ذلك نظري بحت، والسبب في ذلك أن براءة الإختراع تمنح صاحبها حق إحتكار إستغلالها مدة معينة من الزمن، بحيث يمتنع على الغير الإفادة منها إلا بموافقة صاحبها. وعليه إذا منحت براءة اختراع عن إبتكارات لا يمكن تطبيقها صناعيا فان ذلك قد يؤدي إلى إضعاف التطور العلمي والفني. وإذا كان من غير الجائز منح براءة اختراع على مجرد فكرة أو نظرية علمية إلا انه من الجائز أن تمنح براءة اختراع متى تضمن الطلب تطبيقا صناعيا لتلك الفكرة أو النظرية، وحينئذ ترد البراءة على التطبيق الصناعي للفكرة أو النظرية وليس على الفكرة أو النظرية نفسها(10). ثالثا:- أن يكون الاختراع مشروعا قد يمنع القانون(11) تسجيل إختراعات معينة إما لمخالفتها للقانون أو منافاتها للآداب العامة أو لتعارضها مع المصلحة العامة ومن هذه الحالات ما يلي:- 1- مخالفة الإختراع للنظام العام والآداب : إذ يملك مسجل براءات الاختراع صلاحية رفض قبول الطلب للحصول على براءة إختراع إذا كان استعمال ذلك الإختراع مخالفا للقانون أو منافيا للآداب أو غير متفق مع المصلحة العامة، ومثال الإختراع المخالف للنظام العام والآداب ، التقدم للحصول على براءة اختراع لإله للعب القمار أو أله لتزييف النقود أو اله لكسر الخزائن وسرقتها أو اله لإجهاض الحوامل(12). 2- الاختراعات التي منع إستغلالها تجاريا ضروريا لحماية الحياة أو الصحة البشرية أو الحيوانية أو النباتية أو لتجنب الأضرار الشديدة بالبيئة، ومثال ذلك الاختراعات المتعلقة بأجزاء من جسم الإنسان كالخلايا والدم والهرمونات والاختراعات المتعلقة بالاستنساخ(13). 3- الاكتشافات والنظريات العلمية والطرق الرياضية غير القابلة للإستغلال الصناعي. 4- طرق التشخيص والعلاج والجراحة اللازمة لمعالجة البشر أو الحيوانات، إلا أن هذا الإستثناء لا يشمل الأدوات والأجهزة الطبية والمواد التي تستخدم في العمليات الطبية والجراحية. 5- النباتات والحيوانات خلاف الأحياء الدقيقة التي لا ترى بالعين المجردة كونها صغيرة جدا كالبكتيريا والفطريات والطحالب والفيروسات . 6- الطرق البيولوجية لإنتاج النباتات والحيوانات ، ويستثنى من ذلك الأساليب والطرق غير البيولوجية التي لا تعتمد على استخدام الكائنات الدقيقة في إنتاج الحيوانات والنباتات. وتكاد تجمع قوانين براءات الإختراع على عدم منح براءة اختراع في مثل هذه الحالات(14). الفرع الثاني:- الشروط الشكلية علاوة على الشروط الموضوعية اللازم توافرها للحصول على براءة الإختراع ، فانه يتوجب توافر شروط شكلية، تتمثل في الإجراءات الإدارية التي يتطلبها القانون(15) حتى تتم عملية تسجيل الإختراع والحصول على البراءة ، وتتمثل تلك الإجراءات في تقديم طلب من صاحب الشأن أو وكيله إلى الجهة المختصة بتسجيل الإختراعات ومنح البراءات وفق النماذج المعدة لهذه الغاية . ولا يشترط في مقدم الطلب أن يكون من مواطني الدولة أو أجنبيا أو من أشخاص القانون الخاص أو العام أو شخصا طبيعيا أو معنويا ، كما لا يشترط القانون أن يكون مقدم الطلب هو المخترع نفسه ، وإنما يجوز تقديمه ممن ألت إليه حقوق الإختراع ، سواء تم ذلك عن طريق التنازل أو الميراث أو الترخيص أو الشراء أو بأي وسيلة قانونية أخرى ، ولكن يشترط في مثل هذه الحالات إثبات أن مقدم الطلب له الحق في الإختراع موضوع البراءة ، إذ على مقدم الطلب تقديم ما يثبت ذلك ، بتقديم صك حق الملكية أو الصك الذي يثبت ذلك الحق موثقا حسب الأصول. كما يشترط أن يرفق مع الطلب تفاصيل كاملة عن الإختراع المراد حمايته، كنوع الإختراع، وطريقة إستغلاله، وكيفية إستعماله، وتقديم مخططات أو عينات أو نماذج له، كما يجب تقديم بيان واضح وجلي بأقصى درجة ممكنة يشمل وصفا تفصيليا للإختراع يتناول اسم المخترع ، وموضوع الإختراع، وبيان الفكرة الجديدة في الإختراع (16)، وفي حال تقديم طلبات لتسجيل الإختراع في دول أخرى يجب تقديم بيانات عنها والنتائج التي أسفرت عنها(17). وبعد إيداع الطلب تقوم الجهة المختصة بفحص الطلب ونشره، وتبت فيما قد يثار حوله من اعتراضات، ومن ثم ترد إما بقبول الطلب أو رفضه. ويترتب على إيداع طلب تسجيل الإختراع لدى الجهة المختصة، توفير الحماية المؤقتة للإختراع موضوع البراءة، وما يترتب على ذلك من أثار ، ومنها الحق في الإستئثار باستغلال الاختراع موضوع طلب البراءة ، مما يعني انه بمجرد إيداع طلب التسجيل يحق لصاحبه منح ترخيص للغير باستغلاله . المبحث الثاني:- حقوق والتزامات مالك براءة الإختراع ترتب براءة الإختراع حقوقا لمالكها، كحق الإستئثار باستغلال الإختراع موضوع البراءة، وحق التصرف، والحق في حمايتها من أي تعد عليها من قبل الغير.وفي مقابل هذه الحقوق تقع على عاتق مالك البراءة إلتزامات يجب الوفاء بها حتى يتمكن من مباشرة حقوقه على البراءة، وهذه الألتزامات هي دفع الرسوم القانونية، والإستغلال الفعلي للإختراع موضوع البراءة. المطلب الأول:- حقوق مالك براءة الإختراع الفرع الأول:- حق الإستئثار في البراءة منح القانون مالك براءة الإختراع حقا استئثاريا في الإستفادة من الإختراع موضوع البراءة، وهذا الحق يقتصر عليه وحده دون غيره، ولا يجوز لغيره الإستئثار بهذا الحق دون موافقته. فلمالك براءة الإختراع إحتكار صناعة المنتجات وبيعها وعرضها للبيع وتصديرها، وكذلك إحتكار تطبيق الطريقة الصناعية موضوع البراءة أو غير ذلك من طرق الإستفادة المشروعة. فقد نصت المادة 21/أ من قانون براءات الاختراع الأردني على انه " يكتسب مالك البراءة الحقوق التالية :- 1- منع الغير إذا لم يحصل على موافقة مالك البراءة من صنع المنتج موضوع الإختراع أو إستغلاله أو إستخدامه أو عرضه للبيع أو بيعه أو استيراده، إذا كان موضوع البراءة منتجا. 2- منع الغير إذا لم يحصل على موافقة مالك البراءة من استعمال طريقة الصنع، أو إستعمال المنتج المصنوع مباشرة بهذه الطريقة أو عرضه للبيع أو بيعه أو إستيراده، إذا كان موضوع البراءة طريقة صنع".