وصف الكتاب:
الجزية هي ضريبة سنوية على الرؤوس، وتتمثَّل في مقدار زهيد من المال، يُفرَض على الرجال البالغين القادرين، على حسَب ثرواتهم، أما الفقراء، فمُعفَون منها إعفاء تامًّا، قال تعالى: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7]، وليس للجزية حدٌّ معين، وإنما تَرجع إلى تقدير الإمام، الذي عليه أن يُراعي طاقات الدافعين ولا يُرهِقهم، كما عليه أن يراعي المصلحة العامة للأمة، وقد جعل عمر الجزية 48 درهمًا، وعلى المتوسطين في اليسار 24، وعلى الطبقة الدنيا من الموسرين 12 درهمًا، وبهذا سبَق الفكر الضريبي الحديث في تقرير مبدأ تَفاوت الضريبة بتفاوت القُدرة على الدفع، ولا تعارُض بين صنيع عمر وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ حين بعَثه إلى اليمن: ((خذ من كل حالم دينارًا))[1]؛ لأن الفقر كان في أهل اليمن أغلب، فراعى النبي -صلى الله عليه وسلم- حالتهم. والأصل في وجوب الجزية من القرآن قوله تعالى في سورة التوبة: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [التوبة: 29]. ومعنى الصَّغار هنا: التسليم وإلقاء السلاح والخضوع لحكم الدولة الإسلامية. ومن السُّنة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ الجزية من مجوس البحرين، كذلك أخذ الخلفاء الراشدون الجزية من مجوس البحرين، وكذلك أخذ الخلفاء الراشدون الجزية من أهل الكتاب ومن في حُكْمهم في سائر البلاد المفتوحة، واستقرَّ العمل عليه، فصار إجماعًا. وأما الخراج، فهو ضريبة مالية تُفرَض على رقعة الأرض إذا بقيت في أيديهم، ويرجع تقديره إلى الإمام أيضًا، فله أن يقاسِمهم بنسبة معيَّنة مما يخرج من الأرض كالثلث والربع مثلاً، وله أن يفرض عليهم مقدارًا محددًا، مكيلاً أو موزونًا، بحسب ما تُطيقه الأرض، كما صنَع عمر في سواد العراق، وقد يقوم ذلك بالنقود. والفرق بين الجزية والخراج: أن الأولى تسقُط بالإسلام، دون الخراج، فالذمي إذا أسلم لا يُعفيه إسلامه من أداء الخراج، بل يظل عليه أيضًا، ويَزيد على الذمي الباقي على ديانته الأصلية أنه يدفع العشر - أو نصفه - عن غلَّة الأرض، بجوار دفْع الخراج عن رقبتها، كما هو مذهب الأئمة الثلاثة وجمهور الفقهاء، خلافًا لأبي حنيفة.