وصف الكتاب:
الخطاب (Discours) مصطلح عابر للتخصصات، ومتقاطع مع العديد من المجالات المعرفية، فلا تتحدد معالمه إلا من خلال سياقه العلمي وخلفياته الفلسفية والثقافية. ولا يقل مفهوم الأخلاق (Ethique) امتدادا وتعقيدا، بل تزداد صعوباته من كونه مجالا تتجاذبه الأرض والسماء، ويختلف النظر إليه باختلاف المواقف الفكرية والمواقع الإيديولوجية. غير أن العالم اليوم في حاجة ماسة إلى التفاعل بين "الخطاب" و"الأخلاق" ضمن مبحث "تخليق الخطاب"، مما يشكل مجالا أساسا لاشتغال التفكير البلاغي والتداولي، ذي القدرة الخلاقة على الانتقال من تغيير الأقوال إلى تعديل الأفعال. فلا يمكن الفصل بين البلاغة والأخلاق في "تحليل الخطاب"(L’analyse du discours)، بما هو دراسة سائر ما ينتجه المجتمع من ملفوظات (Enoncés)، كما لا يمكن الفصل بين الأشكال الفنية والمضامين المفعمة بحقائق الوجود، أمام إلحاح بعض المنظورات البلاغية على أن "مجال التخاطب الحواري هو مجال القيم". إن بلاغة أرسطو (Aristote)باعتبارها لحظة أساسية في تاريخ البلاغة الإنسانية تحتفي بالأخلاق، وتتأسس على منطق القيم، وتنبني على السعي لمقاربة أنواع الخطاب. كما سرى هذا الفهم العام لوظيفة البلاغة في التراث العربي، غير أن هذا الاهتمام ظل متفرقا في المصادر البلاغية الخالصة بعنوان "الاسم الجامع" أو "الفهم الكلي". بينما وجد فضاء رحبا في مقاربات الفلاسفة المسلمين الرائدة للفكر الفلسفي اليوناني، وفي مصادر "إعجاز القرآن" في بحثهم عن مناط إعجاز القرآن، وفي مصادر "أصول الفقه" و "كتب التفسير" في سعيهم لاستنباط الأحكام الشرعية، وفهم الخطاب القرآني وتأويله. وحديثا، كان للتداوليات (Pragmatique) دور مهم في توسيع دائرة الاشتغال بمصطلح الخطاب إلى جانب الأخلاق؛ حيث ازدادت أهمية الأخلاق والمبادئ (المسلمات – القواعد- الشروط...) و الجمال في مجال الخطاب، من داخل إطار المقاربة التداولية. وتأخذ هذه القواعد مسميات مختلفة من باحث إلى آخر. ونذكر من المهتمين بذلك في الغرب: " بول غرايس" (Grice) مبادئ المحاورة(maximes ou principes de conversation)، و"غوردن و لايكوف" (Gordon وLakoff) " مسلمات المحاورة" (postulats de conversation) ، و ريفزين" "Revzine " مسلمات التواصل العادي(postulats de communication normale) و براون وليفنسون"Levison و Brown" نظرية ماء الوجه( La théorie Des faces) وهابرماس (Habermas ) أخلاقيات المناقشة Morale et communication)وآبل (Appel ) المناقشة والمسؤولية( Discussion et responsabilité) … وتتشابه هذه القواعد ذات الطبيعة العقلانية، و الجمالية، والأخلاقية والاجتماعية، مع قواعد التكوين الجيد ذات الطبيعة التركيبية الدلالية (Syntactico- sémantique) التي تنتمي إلى الكفاية اللسانية، في مسألة إلزامية مراعاتهما والحفاظ عليهما من قبل كل من يَوّد تخليق الخطاب؛ وبالتالي فهي بمثابة تعاقد مواز لمجال الخطاب. وانطلاقا من الأهمية التي أصبح يحظى بها موضوع الخطاب والأخلاق في زمن الصراع، فقد ارتأينا تسليط الضوء على دور المقاربتين البلاغية والتداولية في تخليق الخطاب. ونهدف من خلال هذا المشروع إلى الاشتغال بأنواع الخطاب المختلفة: الخطاب السياسي، والخطاب الديني، والخطاب الإعلامي، والخطاب الأدبي، والخطاب اليومي... وبناء عليه، ومن أجل تحقيق الأهداف العلمية المرجوة يدعو الفريق المشرف على تنسيق الكتاب الباحثين الراغبين في المشاركة إلى الالتزام بالمقاربة التطبيقية، مع انضواء الأبحاث والدراسات ضمن محور من المحاور المقترحة.