وصف الكتاب:
في صباح 23 يوليو 1952 افتتحت الإذاعة المصرية الإرسال ببيان من الجنرال محمد نجيب، أحد قادة الجيش المصري، يُعلن فيه استيلاء الجيش على الحكم، وإنهاء العصر الملكي وحكم أسرة محمد علي، التي اعتلت عرش البلاد منذ عام 1805؛ كان البيان الذي أذيع بصوت أنور السادات، واحد من أشهر ضباط الجيش المعروفين بالعمل السياسي، قد أثار حالة من البلبلة حول رغبة الضباط من التطهر من "الفساد" الذي تحدثوا عنه في بيانهم؛ أم أن الأمر فقط هو تحويل السلطة من ملك واحد إلى 19 ملك هم أعضاء مجلس قيادة حركة الجيش، والذين أطلق عليهم فيما بعد "مجلس قيادة الثورة". منذ استيلاء الجيش على السلطة في ذلك الوقت من منتصف القرن العشرين وإعلان الجمهورية لم تعرف مصر رئيسًا مدنيًا، فبعد الإطاحة بالجنرال نجيب إثر إصراره على ترك أمور الحكم وإعطاء السلطة للمدنيين، تعاقب رجال الجيش على حكم البلاد، الكولونيل جمال عبد الناصر القائد الفعلي لحركة الضباط التي أطاحت بالملكية، والذي حكم لمدة 18 عامًا انتهت فعليًا بالاحتلال الإسرائيلي لسيناء عام 1967؛ وجاء بعده صديقه وأبرز رجال الحركة لدى الجماهير الكولونيل أنور السادات، حكم 11 عامًا قاد خلالها البلاد في حرب تحرير سيناء من الاحتلال عام 1973؛ ثم الجنرال حسني مبارك، قائد القوات الجوية الأسبق ونائب الرئيس السادات فيما بعد، والذي حكم 30 عامًا انتهت بالإطاحة به في ثورة 25 يناير 2011. انت أعوام ما بعد الثورة حافلة بالأحداث، فمع تخلي مبارك عن الحكم لصالح المجلس الأعلى للقوات المسلحة بدأت أشكال ضعيفة من المقاومة بدأها المؤمنين بالثورة وأهمية الحكم المدني في مواجهة دولة كاملة يقودها جنرالات القاهرة الذين لا يجيدون سوى الحرب ولا يفقهون في السياسة، هكذا حدث العديد من المجازر في شوارع العاصمة المصرية باسم الثورة والدفاع عنها من كلا الجانبين. هدأت الأمور قليلًا في أعقاب انتخاب محمد مرسي، أحد أبرز البرلمانيين في جماعة الإخوان المسلمين، رئيسًا في عام 2012، والذي سعى بكل ما أوتي من قوة لإحلال أفراد جماعة الإخوان في كل المناصب والأماكن التي يسيطر عليها الجيش، مع التجاهل التام للقوى المدنية في المجتمع؛ إلا أن الخطة الإخوانية انكشفت سريعًا، فلم يمض أقل من العام إلا وتحالف الجيش مع القوى المدنية لإقصاء الجماعة عن الحكم، ليعود بعدها الجيش متوّجًا إلى عرش مصر على يد الجنرال عبد الفتاح السيسي، رئيس الاستخبارات العسكرية ووزير الدفاع الأسبق، والذي بدأ حكمه الفعلي خلال المرحلة الانتقالية بعد إقصاء نظام الإخوان المسلمين، واستطاع إحباط مخطط إرهابي ضخم كان يتم عبر استغلال البسطاء والمدنيين وحشدهم في اعتصام مسلح في الشوارع ، والمعروف باسم "اعتصام رابعة العدوية"، والذي تمت تصفيته عسكريًا بعد فشل محاولات فضه سلميًا في أغسطس 2013. "أحببت هذه الرواية كثيرًا. أنا قارئ نهم لا أنفك من قراءة كل الأعمال التي تصدر باللغات التي أعرفها. الإبداع والخيال في الرواية واضحين للغاية. كذلك أعجبت بطريقة السرد والانتقال السلس من عصر لآخر دون الشعور بملل. كباحث في التاريخ أؤكد أن الكاتب استغرق وقتًا طويلًا في دراسة الأعوام الستين السابقة بدقة، واختيارات المقاطع الوثائقية مدهشة". أيمن إمام- باحث في التاريخ المصري الحديث السابق في الواقع مقدمة لابد منها للحديث عن رواية "الحامي"، للكاتب والصحافي المصري أحمد صوان، والصادرة حديثًا عن دار ابن رشد بالقاهرة، والواقعة في 330 صفحة من القطع المتوسط؛ البعض وصف الرواية بأنها شديدة الجرأة في وقت يسيطر فيه العسكريون بصورة تامة على السلطة في مصر، وآخرين أكدوا على أهميتها باعتبارها توّثق ضمن حكايتها الكثير من اللحظات الفارقة في التاريخ المصري، وفئة ثالثة اتخذت من الرواية مدخلًا للحديث عن التغييرات الكبيرة التي شهدها المجتمع المصري طيلة فترة الحكم العسكري. تتفتح الرواية ببيان الجيش في صباح 23 يوليو 1952، والذي يستمع إليه "أرماني" مصور الملك السابق فاروق، هو رجل عجوز وحيد جاء من أرمينيا في بداية القرن العشرين، واستقر في مصر طيلة نصف قرن، اعتاد الرجل الذي رحلت زوجته قبل سنوات أن يقضي يومه في استديو التصوير الخاص به أو يذهب إلى القصر الملكي لتصوير الملك، بينما يقضي أمسياته مع أصدقاء عمره وهم بقال مسيحي وإمام مسجد مسلم وصائغ يهودي. يتخذ المؤلف من "أرماني" وحكايته مدخلًا لظهور الشخصية الرئيسة في الرواية وهو "صفوت"، أحد قيادات الصف الثاني في حركة الجيش عمل طويلًا في الحقل الاستخباراتي خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها لحساب المخابرات البريطانية والقصر الملكي في مصر؛ بالرغم من تاريخه إلا أنه تم إسناد إليه مهمة إنشاء جهاز أمني خاص أطلق عليه "مكتب حماية الثورة" والذي هدف رجال الحركة لجعله جهازًا قمعيًا لكل من يحاول الإضرار بالثورة الوليدة. "مصر في الثورتين 1952 و2011 وبينهما، موضوع رواية أحمد صوان. كثيرة هي القضايا والهموم التي يُفجرها النص ذو الأبعاد المُتعددة المتشعبة، واليهود في مصر من المحاور المهمة التي يتعرض لها من منظور يجمع بين الذاتي والموضوعي، وصولًا إلى التلاقي عند اكتمال الشهادة مع أزمة الوطن المحاصر بالإخفاق جراء ثورتين لا يتحقق من أحلامهما إلا أقل القليل". من دراسة للكاتب الصحفي والناقد المصري مصطفى بيومي عن اليهود في الأدب المصري مع مرور الأعوام يصبح "صفوت" والجهاز الذي يشرف عليه أحد أعمدة الدولة العسكرية الجديدة التي لا يُمكن الاستغناء عنها؛ هكذا تزيد سلطاته يومًا بعد الآخر ويكتسب قوة لا يُضاهيها سوى قوة الرئيس نفسه. يمارس صفوت سلطاته بوحشية، فيقوم باعتقال ابن شقيقته المعارض للحكم العسكري، ويستصدر أمرًا بترحيل "أرماني" خارج البلاد بعد أن رفض معاملته المتعالية، بينما يُلقي صديقه إمام المسجد في السجن ويغتصب ابنته، ويُجبر الفتاة اليهودية التي أحبها ابن شقيقته وعائلتها على الرحيل من مصر في أعقاب حرب السويس 1956. يصير "صفوت" الرجل الأقوى في مصر وكافة الأجهزة الأخرى تخشى الاقتراب منه بسبب ما يعرفه من معلومات عن القادة وكبار رجال الدولة والوثائق والتسجيلات التي يملكها عن فسادهم. يستمر الوضع على هذا الحال حتى تستيقظ مصر على أكبر هزيمة في تاريخها عام 1967، فينتفض الرئيس لإصلاح الفساد الذي أسقط دولته، ضمن إجراءات الإصلاح يصدر قرارًا بإقالة "صفوت"، لكن القرار لم يتجاوز كونه ورقة قام الرئيس بتوقيعها، فالقوة الهائلة التي يملكها الرجل منعت حتى رؤساءه السابقين من الاقتراب منه. في نهاية سبتمبر 1970 يتوفى الرئيس جمال عبد الناصر ويتولى الرئيس السادات الحكم بدلًا منه، كان الرجل الذي يخوض صراعات كبرى مع من يعتقدون أنهم وحدهم يحملون ميراث الرئيس الراحل يحتاج إلى دعم قوي حتى يستطيع الانتصار. لذلك قام الرئيس الجديد -الذي تنبأت المخابرات المركزية الأميركية أنه لن يستقر في مقعده أكثر من أربعة أسابيع- بالتحالف مع "صفوت" والحصول على الوثائق التي تدين رجال عبد الناصر. هكذا أرسلهم جميعًا إلى السجن واستقر على كرسي الرئاسة، وقام بمكافأة "صفوت" وتعيينه وزيره الخاص الذي لا يتولى حقائب رسمية وإنما يساعده في إدارة شؤون البلاد. الآن صار "صفوت" وظيفة رسمية لا أحد يعلم عنها في الدولة سوى كبار المسؤولين، فبعد تولي الوزير الجديد صلاحياته اختار مساعدًا شابًا أطلق عليه اسم "صفوت"، ليقوم بكافة الأعمال القذرة التي كان يقوم بها هو نفسه. بهذا أسس "صفوت" موضع خاص في النظام لا أحد يستطيع الاقتراب منه. يسعى "صفوت" الصغير -القادم من عائلة بسيطة الحال- هو الآخر لاكتساب مكانة مرموقة، فيتزوج من واحدة من أميرات أسرة محمد علي، ويتقرب من والدها السمسار الكبير في تجارة السلاح الدولية والذي يعمل مع وزيره في الخفاء. يستمر العمل بهذا الوضع حتى يتم اغتيال السادات والوزير معًا في حادث المنصة الشهير عام 1981 في ذكرى انتصار أكتوبر. عندما يتولى الرئيس الجديد حسني مبارك الحكم يتم تصعيد "صفوت" الجديد تلقائيًا ليُصبح الوزير الجديد. "استمتعت حقًا في هذه الرواية حتى بأوجاعنا جميعًا، مع تذكر الأعوام الماضية التي سرق حلمنا فيها من أول يوم، استمتعت كذلك بمزج الزمنين الماضي وما عشناه بالفعل. "صفوت" في كل وقت ولا ينتهي. هو أصل الدولة العميقة التي لا تنتهي بدورها وكأنها جذور لنبتة فاسدة قوية، كلما يمر الزمن كلما تتمدد في الأرض أكثر، وأنت تتخيل أنك كلما تقطعها من على السطح أن الأمر انتهى، لكنه يقدر على تجديد نفسه مرة أخرى لأنه ببساطة لا ينتهي. الممتع كذلك هو فارق اللغة بين عصر ولى وعصر حالي. لقد تعرفت على مفردات كنت أجهلها بالفعل". الكاتبة المصرية رباب كسّاب بالتوازي مع تلك الحكاية تدور حكاية أخرى تبدأ يوم 28 يناير 2011، ثالث أيام الانتفاضة التي أدت للإطاحة بنظام الرئيس الأسبق مبارك، حيث يعرض المؤلف حكاية مجموعة من الأصدقاء الذين قضوا تلك الأعوام القليلة الماضية في ميدان التحرير بعد أن جمعتهم الظروف وتعارفوا هناك، هناك الصحفي الذي يُكافح لعدم الانخراط في فساد مؤسسته ثم يكافح من أجل عدم الاستسلام لزميله الصحفي الإخواني الذي يرأس تحرير الجريدة في أعقاب وصول الإخوان المسلمين للحكم، والمحامي العابث الذي تسيطر عليهم القيم والمبادئ ويكافح من أجل سيادتها، والمترجمة التي تمثل لهم صوت العقل وتبدو وكأنها الأم لكل هؤلاء وليست الصديقة فحسب، والديبلوماسي الذي يشاء حظه أن يكون هو الابن الوحيد للوزير، لذلك يصبح "صفوت" العصر الحديث هو أقرب أصدقاؤه؛ الديبلوماسي الشاب الذي يسعى للخروج من نفوذ والده فيكتشف أنه دومًا في عالم من صنع هذا الوالد بدعوى حمايته من الشعب وفوضوية البلاد. يظهر "صفوت" في هذا العصر بنقطة ضعفه الحقيقية وهي الشعور الدائم بالوحدة، لذلك يتشبث بصداقة ابن الوزير ويقوم بتنفيذ طلباته دومًا، فيستغل سلطته أكثر من مرة لإبعاد أصدقاءه عن السجن أو يجلب إليه فتاته التي يعشقها ويرفض الوزير وجودها لأنها عاهرة كانت تقدم الجنس مقابل المال حتى التقت الفتى. كل هؤلاء يخوضون صراعًا من أجل البقاء وإنجاح ثورتهم المسروقة. تعمد الكاتب أن تبدأ أحداث الخط الزمني وتنتهي في الحالتين بنزول الجيش الشارع وإعلان حظر التجوال؛ فالخط الأول يبدأ 23 يوليو 1952 وينتهي بالأحداث العنيفة لجنود الأمن المركزي 1986؛ فيما يبدأ الخط الثاني بإعلان حظر التجول في يناير 2011 وينتهي بإعلان حظر التجول عقب فض اعتصام رابعة العدوية في أغسطس 2013 . بين هذا وذاك تجد بين الصفحات الكثير من الأجزاء الوثائقية التي تروي حقيقة كل فترة أو مرحلة فاصلة، فهناك مقاطع من مذكرات الملك فاروق والجنرال نجيب والرئيس السادات والجنرال مبارك وغيرهم، وأيضًا الكثير من التقارير الصحفية والبيانات الرسمية والعسكرية، ليمزج المؤلف بين الحكاية التي نسجها من خياله وما حدث فعلًا في واحدة من ألعاب العقل الشهيرة "ماذا لو كان هذا ما حدث فعلًا؟" مع اختلاف الأسماء والمناصب. تتشابك النهايات لترسم ما يربط بين الخطين المتوازيين في نهاية الرواية، فنجد أن "صفوت" الذي صار وزيرًا في عهد مبارك هو والد الديبلوماسي الشاب، أما حبيبة الصحفي فهي ابنة أحد عمالقة الانفتاح في عصر السادات والذي يرتبط بصلة قرابة مع الوزير الأول، فيما يتوفى "صفوت" الشاب بطريقة مُهينة ويستمر وزيره كدليل على بقاء الوضع والنظام الحاكم كما ه