وصف الكتاب:
إن الدخول على القرآن الكريم وفهمه من خلال ما قاله أئمة التراث ينسف قضية الأعجاز العلمى فى القرآن من أساسها، فأولئك الأئمة التراثيون غفلوا عن الأعجاز العلمى فى القرآن الكريم ، وتعاملوا مع الآيات القرآنية ذات المحتوى العلمى بإخضاعها لثقافتهم ومذاهبهم ، وأكثر من هذا صاغوا لها تأويلات وصنعوا لها أحاديث مفتراه نسبوها ظلما وزورا للنبى محمد عليه السلام بعد موته بقرنين وأكثر من الزمان،فكيف يتم بناء الإعجاز العلمى على ما قاله هؤلاء الأئمة ؟ إنهم لو كانوا قد فهموا الأيات العلمية فى القرآن الكريم – وهى واضحة ومباشرة – لاختلف تاريخ البشرية ، ولتوصل العرب والمسلمون فى العصر العباسى إلى ما اكتشفه الغرب بعدهم بعدة قرون.!.. كان من الممكن إختصار ألف عام من التخلف والقرون المظلمة مرّت بها البشرية لو أنهم : *ـ ألتفتوا إلى منهج القرآن الكريم فى البحث العلمى التجريبى وطبقوه.. *ـ قصروا الايمان بالغيب على ما جاء فى القرآن الكريم فقط دون غيره. *ـ استفادوا بما أورده القرآن الكريم من حقائق علمية تسبق عصرها. *ـ أطاعوا القرآن الكريم فى التعقل و التبصر والابتعاد عن الخرافات والأساطير. لم يفعلوا ذلك فأصابوا الاسلام فى الصميم ، وتحولوا الى أنصاف آلهة فى قلوب أتباعهم .. ولا يزالون ، بدليل تلك الاتهامات التى لا تزال تلاحق الاسلام بسبب ما فعلته به الوهابية و السلفية. وحتى عندما التفت بعض المسلمين المتخصصين فى العلوم الطبيعية الى الاعجاز العلمى للقرآن الكريم ما لبث أن تدخل فيها السلفيون بما يحملونه على ظهورهم من أسفار و تراث فأفسدوا القضية بأكملها، وهم ـ فى الواقع ـ ما دخلوا فى شىء إلا أفسدوه .. وكذلك يفعلون..!! .. 4 ـــ على أن هذه الخصومة مع العلم والعقل والقرآن لم تعطل مسيرة السنيين والوهابيين والسلفيين فى تدعيم قضية " الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة " بل تحولت بنفوذهم وبترولهم إلى تجارة رائجة تنشأ من أجلها الجمعيات وتنعقد بسببها المؤتمرات وتتسع لها الفضائيات والصحف والدوريات ومواقع الإنترنت . وكان من الطبيعى أن يمتد الإرتزاق إلى الدجل ، وأن يمتد الدجل ليس فقط فيما يكتبون وما يقولون ولكن أيضا فى الربط بين الإعجاز العلمى وبين الطب . 5 ـ فقد انتشر ما يعرف بالطب النبوى ، وذاع ـ مثلا ـ أساطير عن الحبة السوداء " ،وتم إفتتاح عشرات العيادات التى تداوى بالقرآن الكريم . وتوثقت العلاقة بينها وبين حلقات الزار والتداوى من المس الشيطانى والربط الجنسى وكتابات المحبة و التأليف بين القلوب. وبهذا أعيد لنا فى العصر الحالى ما ساد من خرافات فى العصرين المملوكى والعثمانى مما كان يعرف بالطب الروحانى والتداوى بلمسة من الشيخ المقدس أو تراب ضريحه أوفضلات المجاذيب ومخلفات الأولياء الصالحين . صحيح أن الغرب عرف " الطب البديل " و" التداوى بالأعشاب " والتحرز من إستعمال المركبات الكيماوية فى الطعام والدواء، ولكنه يمارس ذلك فى ظل منهجية علمية بحثية صاومة . صحيح أن لكل شعب تجاربه الطبية وخصوصا أصحاب الحضارات القديمة التى لا تزال حية ومستعملة فى ثقافة أبنائها مثل الحضارة الصينية وهى التى قدمت تراثها الطبى وانتفع به العالم ، ومنه ما اصطلح على تسميته بـ " الأبر الصينية " ، ولكن الصحيح أيضا أن تلك الموروثات يتم التعامل معها بمنهجية علمية علمانية ، بمعنى أنهم لا ينسبونها للدين ولا يلصقونها بالأنبياء والوحى . ولكن أساس التخلف ـ الذى نسعد به دائما ـ أننا نغطى ثقافتنا الإجتماعية والطبية بعباءة الدين ، فيصبح تراثنا القديم فى التداوى " طبا نبويا " ثم نتجرعه بالتسليم، ونموت به لندخل الجحيم.!! قد يوجد الصحيح والفاسد فى أى تراث طبى،ولا عيب فى هذا، العيب هو أن ينسب ذلك للإسلام ولرسول الأسلام عليه السلام . ثانيا : 1ـ النفوذ الكبير للفكر السلفى الوهابى قوبل بمعارضة علمانية مفتونة بمنجزات الغرب الحضارية، فحدث إستقطاب بين التيارين السلفى الرجعى التقليدى والعلمانى الحداثى ، وامتد هذا الأستقطاب من ميادين السياسة والحكم والأدب إلى قضية الأعجاز العلمى فى القرآن . التطرف السلفى فى إسناد إعجاز علمى متوهم للسنة والأحاديث والطب النبوى قوبل بتطرف علمانى يستنكر أو يسخر من وجود إعجاز علمى حتى فى القرآن نفسه . أى أن الخطأ السلفى ووجه بخطأ أخر، وكلاهما يخاصم العلم وينكر حقائق ثابتة ملموسة . 2 ـــ ليس كل الذين يهاجمون الأعجاز العلمى فى القرآن الكريم ممن يكرهون القرآن الكريم وينطبق عليهم قوله تعالى "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ: محمد 9 " ، ولكنهم كلهم ليست لهم علاقة وثيقة بالقرآن ومصطلحاته ومناهجه تمكنهم من فهم إعجازاته العلمية،وهذا ما سنتعرض له فى الحلقات القادمة . وهم مع إنتسابهم للعلم إلا أنهم سطحيون فى رؤيتهم العلمية للعلم نفسه،ولكنهم بما يعلمون مغرورون، وليس هذا إتهاما ولكنه توصيف مستمد من القرآن الكريم نفسه . 3 ـ يقول تعالى عن سطحيتهم هم وامثالهم من أكثرية البشر" وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ : الروم 7:6 " .أى يعلمون مجرد القشور والظواهر من الحياة الدنيا ، أما الأخرة فهم عنها غافلون . أولئك السطحيون مبهورون بالتقدم العلمى متناسين أننا نستخدم ما نكتشفه دون أن نعلم حقيقته وماهيته شأن كل ما سخره الله تعالى لنا. وللتدليل على ذلك لنبدأ مع الانسان الأول حين إكتشف النار واستخدمها ولا يزال يستخدمها حتى الأن ، ولكنه حتى الآن لا يفهم كنه النار وطبيعتها وماهيتها، ولا يعرف مستقرها أو مستودعها، ومن أين أتت والى أين تعود ، ثم استخدم الماء فى النقل البحرى وحتى الأن لا يفهم ماهية الماء. وخلال مسيرة البشرية فى تقدمها العلمى أكتشفت الكهرباء والجاذبية والمغناطيس ، واستخدم الانسان كل هذا القوى الطبيعية ولكنه لم يصل إلى حقيقة وكنه وماهية الكهرباء والمغناطيس والجاذبية، بل حتى لا يستطيع رؤية أحداها . أى أنهم يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ...