وصف الكتاب:
هذا كتاب نادر ونفيس في مادته كتبه وزير السلاجقة الأكبر "نظام الملك الطوسي" تلبية لرغبة السلطان ملكشاه الذي أمر سنة 484هـ (1091م) عدداً من أكابر رجال بلاطه بأن يتأملوا نظام الحكم القائم وينظروا إلى ما سقط من السنن الصالحة التي كان الملوك القدامى يسيرون بها في الناس، ويقترحوا خير الوسائل لإصلاح نظام الحكم مسترشدين في ذلك بما حفظ التاريخ من أخبار الملوك السالفين العظام. فكتب كل واحد منهم ما عن لخاطره مبيناً العيوب مقترحاً الإصلاح. ورفعوا كتبهم جميعاً إلى السلطان فأعجبه ما كتب وزيره نظام الملك فأعلن أنه سوف يتخذ ما كتب إماماً يسير على هداه في الإصلاح. فلما ظفر الملك برضاء السلطان استرد الفصول التي رفعها إليه: وكان عددها تسعة وثلاثين فصلاً هي الفصول الأولى من الكتاب الذي بين أيدينا. فلما راجعها وجدها مختصرة جداً فشرع يزيد فيها من بعد ذلك ويضيف إلى كل فصل ما يليق به من نكت وشواهد وقصص عازماً على أن يجعل منها "كتاباً يزداد به المجلس العالي تنبهاً وتفطناً ويعلم بخلاصة اعتقاد مؤلفه المخلص". ومما لا شك فيه أن اشتداد وطأة الباطنية كان من أقوى الأسباب الكثيرة التي دعته إلى أن يكتب الفصول الأخيرة والتي جاءت أيضاً في هذه النسخة وعدتها أحد عشر فصلاً. وهي الفصول التي كرس معظمها للكلام عن خروج الفرق المارقة عن الإسلام مبيناً للسلطان أي قوم هم، وكيف كانت نشأتهم، وكيف أنهم يتربصون بدولة السلاجقة الدوائر، ويتحينون الفرصة المناسبة للوثوب بها، ويحذره من خطرها الكامن وراء أسوار القلاع، وينذره بمغبة التهاون في أمرهم أو أمر من دخل في بيعتهم من رجال الديوان. وكانت غايته من كل ذلك توجيه سياسة السلطان وتوضيح النهج السليم الذي يجب أن يتبعه نحوهم واستعداءه عليهم. وما كاد نظام الملك يفرغ من إضافة الزيادات في ثنايا الفصول الأولى وكتابة الفصول الجديدة الأخيرة حتى أراد السلطان الذهاب إلى بغداد. فدفع نظام الملك بالكتاب في صورته النهائية إلى محمد المغربي ناسخ الخزانة السلطانية موصياً إياه أن يستنسخه بخط واضح. إلا أنه قتل في الطريق. كما أن السلطان ملكشاه نفسه لم يقدر له أن يعود إلى أصفهان هو الآخر ذلك لأنه مات بعد مقتل وزيره بمدة قصيرة. فبقي الكتاب عند الناسخ الذي لم يستطع أن يستنسخه إلا في عهد السلطان محمد بن ملكشاه الذي حكم 498-511 (1105-1117م). فلما صفا العالم للسلطان محمد بن ملكشاه وهدأت الأحوال هدوءاً نسبياً استنسخ ناسخ الخزانة الكتاب "خدمة للخزانة" وقدمه إلى السلطان آملاً أن يحظى بالقبول وذلك رغم أن السلطان محمداً كلف الإمام الغزالي بأن يكتب له كتاباً في السياسة فكتب له الكتاب الذي سبق ذكره" ولقد أباح الناسخ لنفسه أن يغير بعض عناوين فصول الكتاب على نحو ما فعل في عنوان الفصل الأول؛ وأن يدس فيه بعض الزيادات غير الخافية وذلك حتى يلائم بين الكتاب وبين السلطان الجديد؛ فيتقبله بقبول حسن. ومهما يكن من فعل الناسخ فإنه أدى خدمة جليلة للأدب الفارسي عامة والسلجوقي خاصة. ذلك لأنه حفظ لنا عيناً من عيونه القيمة التي تساعدنا على فهم الأوضاع الإدارية والاقتصادية والاجتماعية التي سادت القرن الخامس. والطبعة التي بين يدينا تحتوي نص الكتاب الأساسي الذي دونه الوزير الطوسي، محققاً، ومصححاً ومزوداً بهوامش توضيحية موجزة للأعلام والأماكن.