وصف الكتاب:
القرآن الكريم هو كتاب الحقيقة الكاملة... إنه الكتاب الذي يفسر وجود العالم (الوجود الكوني)، في قول واضحٍ مبين ﴿وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾... [سورة هود: آية 120] تستلهم البشرية من القرآن الكريم المجيد المعرفة، والسلوك والمشاعر... فهو القرآن الكريم ذو الذكر، يفتح للعالم الأبصار والبصائر، وينير في الدنيا كل قلب خائف قلقٍ حائر... القرآن الكريم بيان إلهي، عام يصنع السعادة للبشرية، وينقذها من شرور القوى المستغلة، ويحميها من إفساد المستكبرين... قلّب الطرف لترى ما آلت إليه حالة الإنسانية بغير المنهاج القرآني من الدمار والخسار النفسي والعقلي والإجتماعي... وما زال القرآن الكريم حبل الله تعالى الممدود لمن رام من كل البشر الرقيّ والتقدم، يعصم من استمسك به من الضلال الفكري والهلاك المعيشي والإقتصادي والحياتي. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن القرآن سببٌ طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا من بعده أبداً"... فقال ابن القيّم: "أنزله لنقرأه تدبراً، ونتأمله تبصّراً، ونسعد به تذكراً ونجعله على أحسن وجوهه ومعانيه، ونصدق به، ونجتهد على إقامة أوامره ونواهيه". وذلك قد يقرأ المسلم فاتحة الكتاب، حيث تمثل الإعلان الدستوري المهيمن الذي يحوي القواعد الكلية العامة التي يُفّهَمُ القرآن الكريم من خلالها، فمعرفة الكون والحياة، وملء النفس بأفراحها، وتغذية الروح بأشواقها، وتنظيم الحياة بالعبادات الشعائرية، وبرمجة الواقع الإجتماعي بالقوانين التي تملؤه بالسلام والسكينة، والتغذية الفكرية، وتنظيم العلاقات الدولية والسياسية، وإدارة المال، وقوانين الإستثمار، وبناء الحياة، وأسس الإعمار... كلها مواضيع مبثوثة في سور القرآن الكريم الأخرى، ولكنها تعود إلى المقاصد الكبرى التي أرستها الفاتحة مثل: التربية، والرحمة، والعبادة، والإستعانة، وحماية الصراط المستقيم من إعتداءات المغضوب عليهم والضالين. من هنا، تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يقدم بحثاً حول تدبر سورة الفاتحة، ليأتي هذا البحث بمثابة محاولة تدبرية جديدة ضمن المحاولات الرائعة التي يقوم بها علماء الإسلام طالبين كنوز القرآن الكريم، والمؤلف ينهج في بحثه هذا أسلوباً مميزاً... حيث يقدم من خلاله تذكيراً للعالم بأن القرآن الكريم لم يزل هادياً للواقع، وموجهاً للحياة وأنشطتها، ومؤسساً لأهم نظمها التي تملؤها بالرحمة والبشرى، وهو بذلك يحاول الإمساك بيد القارئ ليشاركه الحركة العقلية التي توصله إلى أن (الفاتحة) تحوي الكنوز التي يتم بها إدارة الحياة، بصورة متقنةٍ تامة لتؤسس للمجتمعات حضارة تقدمية تزدان بالصالحات، وتكلل بالجمال والبهاء، ويحيط بها الإستسلام الخاضع لرب الأرض والسماء. وعليه، فإن المؤلف يسير في إستنباطه للبصائر القرآنية على منهجٍ جامعٍ بين المدارس التفسيرية التي شيدها المفسرون الأوائل، فهو يجمع بين مجامع التفسير الموضوعي والإجمالي والتحليلي في الوقت نفسه، على هيئةٍ أقرب إلى التيسير في مهم كلام الله عزّ وجلّ، هذا أولاً، وثانياً، فيعتمد المؤلف على تدبر السورة وتقسيمها إلى محاور (مقاصد مترابطة، ثم ينقسم كل محورٍ بدوره إلى أقسام، ويتم التعبير بالبصائر عند تناوله تفاصيل الآيات، مبرزاً منها الفوائد المحكمة التي توجه الإنسانية، وثالثاً: يرجع إلى مصادر التفسير الأساسية، وخاصة تفسير القرآن بالقرآن؛ مما يسميه المعاصرون (التناظر النصّي) للبحث عن حقيقة المراد الإلهي، على أن ذلك لا يكتمل دون عودته إلى التفسير النبوي قولاً وفعلاً، وسيرة وتقريراً، ورابعاً وأخيراً، يعمد المؤلف إلى إجتناء ثمار العلوم الوسائل ومقاصدها، وسيرى القارئ ذلك جليّاً، أنه محاول إجتناء ثمار علوم البيان والمعاني واللغة، ليظهر من خلالها الإستنباطات الثرية التي تتضمنتها الآيات... عسى عند ذلك أن تسّاقط أنوار القرآن المجيد على التدبر رطباً جنيّاً، لِتَكُوِّن المقاصد والبصائر التي تبني الحياة.