وصف الكتاب:
«ما وراء الكتابة» الواقع في 334 ورقة من القطع المتوسط، يجسد لنا بالتفصيل الحالات الروحية التي مر بها الكاتب من مرحلة تخيل الرواية إلى المجهود العقلي الذي يبذله، وهو يعيش حالة انفصال عن عالمنا الواقعي، منهمكًا في حالته الروائية. وهو يوضح كيف تنعكس فترة كتابة الرواية على معاني النص وطبيعة اللغة، ويتطرق لقراءاته الأدبية في تلك الفترة وكيف تفاعل وجدانيا وأدبيا مع ما عاشه من أحداث سياسية أو موجات أدبية، وبهذا يضعنا عبد المجيد في حالة توحد مع نصوصه، وكأنها رواية داخل الرواية، أو توثيق لذاكرة رواياته. يناقش عبد تجربته الروائية، بعد أن وصل إلى مرحلة الرضا عن ماضيه الأدبي، كما يستعرض ذاكرته الروائية والتقنيات التي استعان بها في رواياته، فهي تارة استحضار الزمن، وتارة الاستعانة بالوثائق وأرشيف الصحف، ويقص كيف خاض تجربة جديدة بالكتابة عن الواقع الافتراضي «في كل أسبوع يوم جمعة». نقرأ أيضًا صفحات عن مصارعته نفسه أثناء عملية خلق الشخصيات والأبطال، وأثر ذلك على الكاتب نفسه.. كيف يتألم ويدمن على مسكنات الألم. ويعرفنا في رحلته على كيفية استلهام أسماء قصصه ورواياته، وعلى عالمه المغموس بروح الإسكندرية على مدى 35 سنة. وبطريقة مبسطة كما هي كتاباته، تحدث المؤلف عن المغزى من تأليفه هذا الكتاب: «كنت كتبت هذا الكتاب أول مرة بعد أن صدرت روايتي (طيور العنبر) عام 2000، وكنت أشعر أنه بروفة لكتاب أكثر تفصيلا، ولم أكن أيضًا أصدرت الروايات التالية لطيور العنبر. كما لم أكتب أيضًا عن كل الروايات الصادرة قبلها.. أردت فقط وقتها أن أقدم للحياة الأدبية فكرة جديدة، ليست هي بالمذكرات ولا السيرة الشخصية للكاتب، أكثر مما هي سيرة للكتابة نفسها وللكاتب معها». قُسم الكتاب إلى أربعة أقسام، القسم الأول عن الروايات الأربع الأولى في مسيرة عبد المجيد السردية، وهي: «المسافات»، «الصياد واليمام»، «ليلة العشق والدم»، «بيت الياسمين».. نتعرف هنا على تكوين عبد المجيد الثقافي وميوله السياسية ومشاركته في المظاهرات الطلابية، بل ونلمس كيف تبدلت قراءاته وجمعت بين الفلسفة والتصوف والماركسية والشعر والأدب الغربي والعربي «كنت انتهيت من قراءة رواية (ليس في رصيف الأزهار من يجيب) للكاتب الجزائري مالك حداد. وظللت لأيام لا أرى العالم من حولي. ظللت غائبا في سحرها. رواية صغيرة لكنها عظيمة تركت في نفسي رغبة عارمة في الكتابة وإعادة صياغة العالم» (ص73). ويستكمل كواليس رواية «بيت الياسمين»: «وبينما أجلس في مقهى ريش جاءتني فكرة أن أقدم لكل فصل بحكاية خرافية أو عجائبية، ليس مهما أن يكون لها علاقة بالفصل نفسه. لكنها تثير أسئلة القارئ عن العلاقة وتتسع الرؤية لأكثر من تفسير». في القسم الثاني «الكتابة عن الإسكندرية»، يأخذنا عبد المجيد لأسرار كتابته عن معشوقته الإسكندرية، فجاءت كواليس ما وراء ثلاثيته الشهيرة: «لا أحد ينام في الإسكندرية»، و«طيور العنبر»، «الإسكندرية في غيمة»، وكأنها قصيدة نثرية من فرط ما تثيره من حنين الكاتب لمدينته، وما يفعله عشق المكان بالعاشق.. «ليست الكتابة عن الإسكندرية بالأمر السهل، فهي ليست مجرد مدينة ممتدة تتحرك فيها الشخصيات، بقدر ما هي حالة وجودية ليس أولها الحزن وليس آخرها الثورة! إنها بلورة سحرية تعطيك من كل ناحية عشرات الصور» (ص86 - 87). ويفسر عبد المجيد أثر الإسكندرية في أدب نجيب محفوظ وكيف دفعته للتجديد، ويمد الحديث عن إدوارد الخراط وروبير سوليه وهاري تزالاس وتسيركاس من بعد حديثه عن داريل وكفافيس وفورستر، قائلا: «أن تكون حرا وتعيد بناء العالم على هواك.. سمة أخرى مما نسميه السكندرية» (ص88). وعن أجواء «لا أحد ينام في الإسكندرية»: «كنت أعرف أنني سأكتب رواية مختلفة. وسأجد نفسي في قلب التسامح الذي شكل حياة البشر في المدينة عبر التاريخ. وتحت الموت والدمار أيضا. لكن هذه المعرفة بتاريخ المدينة التي كانت باعثا على الكتابة كما كانت الذكريات لا تغني عن محاولة الذهاب إلى هناك إلى زمان الرواية نفسه ومكانها إلى عام 1939 حين بدأت الحرب العالمية وحتى نهاية 1942، حين انهزمت جيوش المحور في العلمين وانسحبت من أفريقيا كلها.. الحياة اليومية هي حياة الرواية.. وبدأت رحلتي مع الصحف وبالذات صحيفة (الأهرام).. قرأتها يوما بيوم منذ 1939 حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 1942.. كان انشغالي بالأحداث الكبرى أجل، وبالأشياء الصغرى والعادية بل والغريبة. وهكذا رحت أدون ما أراه مناسبا للرواية من وقائع سياسية وحربية والأهم هو الحياة اليومية للمصريين عامة والإسكندريين خاصة» (ص110 - 111). ويأتي القسم الثالث ليتناول روايات «ما وراء برج العذراء»، «عتبات البهجة»، «في كل أسبوع يوم جمعة»، وعن رواية عتبات البهجة التي دارت أحداثها في القاهرة، يقول: «أعجب ما في هذه الرواية أنني بعد أن تقدمت في كتابتها في المرة الثانية وجدت نفسي أقفز على فصلين لا أكتبهما، وأنتقل للفصل التالي لكل منهما. إذن صرت على يقين أنني سأكتبها وتكتبني» (ص259). «كانت الرواية كلها تقريبا مواقف لا يصل البطل إلى نهايتها. تنتهي على عكس ما أراد وبسرعة.كل شيء. الحب والجنس. وغيرها» (ص263). وعن اختيار عنوان «في كل أسبوع يوم جمعة}، يقول: «لأن يوم الجمعة في التراث العربي يوم صعب. هو يوم قتل المسيح. ويقال إنه يوم قتل الحسين ويوم خلق آدم، يوم خروج آدم من الجنة، وفيه تقوم الساعة.. هو يوم النهايات والبدايات ويقال في الأدب الشعبي المصري إن به ساعة نحس!» (ص275). وتحت عنوان «هنا القاهرة.. أخيرا أحببتها»، تحدث فيه صاحب «البلدة الأخرى» عن مدينة القاهرة التي تركها تنجرف بين وجدانه بصخبها وكان يتناسى أنه كتب عنها، ويقول عن أجواء رواية «هنا القاهرة» التي تأثر خلالها بثورة يناير (كانون الثاني) 2011: «لم أجد مشكلة أن تكون الرواية بضمير المتكلم. بل ربما جعلها ضمير المتكلم أكثر حميمية لي أثناء الكتابة. لكن كعادتي وحبي الكبير صارت الغرائب هي الحقائق. كنت أبحث عن غرائب تفوق ما عشناه، ومن ثم تسللت مع شخصيات الرواية أحداث لم نعشها ومواقف لم تحدث لنا» (ص287). أما القسم الرابع والأخير، فيجيب فيه عن تساؤل ربما قفز إلى ذهن القارئ على مر صفحات الكتاب: هل يختلف ما وراء القصص القصيرة عن الرواية؟ فيجيب: «من المؤكد أنه يختلف فهو من البداية يحدد نفسه في قالب القصة القصيرة. إحساس عميق حقًا، وقد يكون أعمق في إلحاحه على الروح، لكنه كما يأتي يخرج بنفس السرعة. المسافة الزمنية بين ميلاده في الروح وبعثه على الورق أقل مما يحدث في الرواية طبعا. هذه تمشي معك حلما وكتابة لسنوات وسنوات» (ص309). تنوعت قصص عبد المجيد منذ أن كان عضوا في الحزب الشيوعي فكتب «الرغبة في الاختفاء»، و«حامل كتاب السحر» و«الطريق والنهر»، وفي باريس كتب «ليلة أنجيلا»، و«حكاية تيري»، ثم «الضربة القوية» وغيرها. وهو يعترف أيضًا بأنه كان على وشك كتابة أحلامه لكن سبقه إلى الفكرة نجيب محفوظ، وكان قد نشر ثلاثة منها فقط.