وصف الكتاب:
لعل أهمية هذا الكتاب «عربياً» تتجلى في قدرته على الإضاءة على ما تعيشه المرأة في ظل التمييز الجنسي، بصرف النظر عن الجغرافيا. وهذا ما تحتاجه المرأة العربية اليوم، في ظل الفتاوى والقوانين التي تسعى ـــ من دون هوادة ـــ إلى إعادتها إلى الجاهلية الأولى، ووأدها في المهد. مر نحو خمسة عقود على صدور كتاب «اللغز الأنثوي» عام 1963 ، للمناضلة النسوية الأميركية بيتي فريدان (1921 ـــ 2006)، ولم يفقد راهنيته عربياً. فهو لا يزال يلقي بظلاله على هموم المرأة العربية اليوم، فما صار منسياً في الغرب، نعيشه الآن هنا بامتياز، تحت وقع الإعلانات التلفزيونية التي تمجّد «ربة المنزل» وحدها. كانت المرأة الأميركية ـــ وفق بيتي فريدان ـــ تحسّ بأنها شخصية منحرفة وعصابية، لمجرد أنها لم تشعر بالنشوة، وهي تلمّع أرضية المطبخ. كان مجرد التفكير بأنّ الحياة يجب أن تنطوي على ما هو أكثر من تحضير فطائر الزبدة، والغسيل ناصع البياض، ترفاً فائضاً عن الحاجة، فما بالك بالذهاب إلى العمل خارج المنزل؟ ذلك أنّ ارتكاب هذه «الخطيئة»، ذنب لا يغتفر، ففيه «خيانة للأنوثة وتقويض للذكورة». حقوق المرأة المهدورة ونضالها من أجل استردادها، هما المحوران الأساسيان اللذان يتبناهما هذا الكتاب. مع ظهور الحركات النسوية المبكرة، حطّمت المرأة جداراً صلباً من القيم التاريخية. لكن العبور إلى المستقبل، لم يجرِ من دون معوقات أو سخرية من هؤلاء الناشطات النسويات. فقد «كنّ ضحايا عُصابيات للحسد القضيبي». في كل الأحوال، التقطت الحركة النسوية البوصلة لرسم هويتها الجديدة، انطلاقاً من سؤال بسيط «من أنا؟ ما الذي أريده؟». هكذا تستعيد المؤلفة نظرية فرويد في التحليل النفسي، معتبرة إياها، خليطاً فيكتورياً من الفروسية والتعطّف، وجنسانية عرجاء لا أكثر، ولن تكون النظرة إلى المرأة أفضل، لدى علماء نفس آخرين. النهضة النسوية التي شهدتها أميركا مطلع القرن العشرين، تعرّضت لاحقاً لأكثر من انتكاسة، بسبب الحروب وتبدّل القيم وتغييب الهدف وتشويه صورة المرأة عمداً. وهذا ما وضع المرأة في قفص اليأس، كمحصلة لمصادرة الذات الأنثوية غريزياً وحياتياً. لمواجهة هذا العطب، تنصح بيتي فريدان بتحطيم أسوار معسكرات الاعتقال المريحة وتخطي البيولوجيا وجدران البيت الضيقة للمساهمة في تشكيل المستقبل، وتقترح هنا استعادة «الذات المصادرة» داعيةً إلى تحقيق «الشجاعة في أن تكون فرداً» والانخراط في تفكير جديد ينسف المسلّمات التي جعلت المرأة تتكيّف مع قيودها تحت صفة «المهنة: ربة منزل». يتحقّق ذلك بالكفاح من أجل الحق في هوية إنسانية كاملة تلغي معنى اللغز الأنثوي الذي أسهم في دفن ملايين النساء على قيد الحياة، كي تخرج المرأة من الفخ وخدعة تحقيق الذات بالزواج والأمومة.