وصف الكتاب:
تكمن غايةُ هذا الكتاب في محاولة استكناه نمط البناء الفلسفي الذي استغرق تفكير هيغل على نحو كلي طوال «طور يينا» (1801-1807م)، وكذلك بيان الرهان الفكري الذي انتدبه، والمطلوب الفلسفي الذي اهتدى إليه، وبالخصوص بُعَيد مناظرته لهيئة التفلسف (المثالية الذاتية)، وفق الصيغة التي انتهت إليها عند أهم أقطابها (وعلى وجه الخصوص لدى كانط وفيشته). ولغاية إجمال المغزى الفلسفي الهيغلي خلال هذه الفترة، ارتأينا أن نستقصي البُنى الأوليّة التي أسهمت في مولد فلسفة الروح، وأتاحت قيام مبتغى الكلّي (المطلق، الحق)؛ وذلك من خلال تركيز بؤرة نظرنا تحديداً على تحديد طبيعة التصوّر الذي سيبلوره هيغل إزاء الذات، وكيف سيشرع في تهذيب التصوّرات الفلسفية التي ألفت حصر النظر في الذات، وتحصين مرادها ضمن قمقم المعرفة، ومن ثمَّ كيف سيتفطّن فيلسوفنا إلى ضرورة نسخ هذه التصوّرات لغاية حيازة ضروب المعقولية التي يقتضيها كلّ تصوّر فلسفي رصين. فاستواء بنيان المعقولية في فكر هيغل خلال حقبة يينا، واستحالته إلى هيئة نسقية ناضجة، مثّلا المكسبَ الرئيس الذي أعانه على استشكال مسألة «الذات»، لغاية رُسوّها تبعاً لمطلوب المعقولية، فتزول، تبعاً لذلك، المسافة الفاصلة بين مطالب الذات ومطلوب المعقولية. ولعلّ العارف بخبايا المسائل الفكرية الجليلة، التي خاض فيها هيغل خلال إقامته الفكرية القصيرة في يينّا، يقف على الأهمية الفارقة التي تمثّلها هذه الحقبة في النسق الفكري الذي شيّد معالمه في الفترات اللاحقة؛ إذ في هذه الفترة بالذات اهتدى إلى الكشف عن الأعمدة الصلبة التي تشكّل قوام نسقه الفلسفي، وتمكّن من تحديد المسلك الأنسب لقيام هذا النسق منهجاً وسبيلاً، وبيّن الأطراف الرئيسة التي تؤثث برنامجه التفكيري عامةً. وبناء على هذا المنجز، شرع في صقل تصوّره، ومضى في استكمال ما نجم عن هذا التصور الفكري الذي تمّ تسطيره في حقبة يينّا هيئةً ومضموناً.