وصف الكتاب:
لقد بيّن البحث المقارنيّ في هذا الكتاب أنّ الإنسان خلق مقدّساته ومعبوداته آلهة وطقوسا شبيهة به في الفكر والشعور والرغبة، فكان هذا الخلق متأثّرا بمختلف الظروف التي ابتدع فيها، وبذلك تحوّلنا من مقولة " إنّ الآلهة خلقت الإنسان على صورتها، وصوّرته فأحسنت صورته" إلى القول "إنّ الإنسان خلق آلهته على صورته فأحسن صورها"، ومن مقولة الآلهة المنعمة على البشر بخيراتها إلى مقولة الإنسان المسبغ على الآلهة أنفس القرابين والهدايا. وقد أكّد علم الاجتماع الدّينيّ منذ إيميل دوركايم أنّ الدّين فعل جماعيّ اجتماعيّ، ومثل هذه الأطروحة تؤكّد أنّ صناعة المقدّس هي من إنتاج الإنسان في الأرض وليست من وحي الآلهة في السماء. لذلك كان تصوّره لمعبوداته موصولا بالواقع اليوميّ المعيش، فالآلهة تطلب القرابين الثّمينة وتفرض تقديس الإنسان واحترامه لها- أي للآلهة- وتشعر بالرّضى والغضب، وتعد وتتوعّد، وتعاقب وتثيب، وتسكن في الأرض. ثمّ رفعها الإنسان إلى السماء بعد بلوغه درجة معيّنة من التفكير الذّهنيّ المجرّد. إنّ هذا الفهم لن يتأتّى ما لم يلتزم الدارس المقارن بالحياد الدّينيّ والموضوعية العلمية وبالإنصات المرهف إلى ما تنطق به النصوص المقدّسة بعيدا عن الأفكار المسقطة والمسبقة وعن الخلفيات الإيديولوجية التي كثيرا ما تسبّبت في الصراع والحروب وإراقة دماء الأبرياء. فإذا قرئت النصوص المقدّسة بهذه الطريقة المحايدة والمعترفة بحقّ الاختلاف وبنسبية الحقيقة وبامتلاك كلّ فرد أو مجموعة جزءا منها استطاعت البشرية أن تعيش في أمن وسلام بعيدا عن التقاتل والتّناحر...