وصف الكتاب:
إنّ الإيمان الحرّ لا يتخلّى عن مصادر أنفسنا لكنّه يغيّر العلاقة معها. فالمؤمن الحرّ متمرّد لكنّه لا يعوّل على أيّ كراهية من أجل إثبات حريته. ولا يحتاج الإيمان الحرّ إلى إجماع جاهز. وهو ليس سلوكا هوويّا إلاّ عرضا. ولقد تأكّد اليوم في أفق الثقافة الغربية في طورها ما بعد العلماني أنّ الإيمان مشكل شخصي. لكنّ المؤمن الحرّ يعرف أنّه لا معنى لما هو شخصي دون أن تعيش في مجتمع يكرّس مقولة الفرد. وتاريخ الملّة يشهد أنّه يمكن أن تكون "شخصا" (مناطا للتكليف) دون أن تكون "فردا"(تتمتّع بموقف وجودي أو اجتماعي حرّ). وفي ثقافة جماعويّة قد يصبح ما هو شخصي تهمة خطيرة. ولذلك لئن كان الإيمان الحرّ يرفض التقوقع في جبّة هوويّة فهو يحتاج دوماً إلى الانتماء. ومن هنا نفهم كيف أنّ الشخصي ليس حجّة ضدّ الانتماء. نحن لا نشعر بطرافة هويتنا الخاصة إلاّ بقدر ما تنتمي هي إلينا. وهذا نحوٌ من المفارقة: لقد صرنا مصادر أنفسنا؛ نحن منذ الآن أصلُ ماضينا. وعلينا دوما أن نأخذ مفهوم الإيمان الحر بوصفه ورشة تأويلية وليس عقيدة جاهزة. ذلك أنّه لا تخلو ثقافة من عناصر الإيمان الحر. لكنّ قرّاء التراث ليسوا جاهزين بعدُ للإيمان الحر. إنّ علاقتنا بمصادر أنفسنا لم تعد فقهية بل صارت تتعلق بنموذج العيش الذي تقترحه علينا. ولا توجد ملة جاهزة علينا الانتماء إليها بل فقط نحن نتوفر على أفق أخلاقي متميّز علينا إعادة اختراعه بشكل حرّ. فإنّه لا فضل لثقافة على أخرى إلاّ بما تسمح به للأفراد من تجارب الإيمان الحرّ مهما كان موضوع الإيمان.