وصف الكتاب:
لقد كثر الحديث عن تجديد الخطاب الديني، ولكن هذا الكتاب يطرح لأول مرة مشروعا تجديديا متكاملا ينطلق من منهجية نقدية في إطار رؤية تقليدية. يتساءل الكتاب أولا: ما سر التطرّف الكامن بدرجة أو بأخرى في الثقافة الإسلامية المعاصرة؟ مهما تعددت عوامل التطرّف الديني فإن مناطه التشبث بالنصوص الفردية، التي يفترض قطعيتها مغفلا حقيقة ظنيتها. وكانت مدارس الفقه قد قامت في الماضي على مناهج محددة لقراءة النصوص الفردية والتحوّط لظنيّتها، كمراعاة عمل أهل المدينة عند مالك والقواعد العامة عند الحنفية. ولكن الفقه المذهبي كاد يخلي مكانه لنزعة متطرفة تحاول السيطرة على الفقه تحت ستار ما نسميه تجاوزا " فقه النصوص الفردية "، ما أدى إلى فوضى فكرية لا تقل جسامة عن الأزمات السياسية والاجتماعية. لذلك يطرح الكتاب منهجية عملية تطبيقية هي الإجماع " المتواتر " في العبادات، والمقاصد " المنضبطة " في غيرها. وليس هذا إجماع أفراد العلماء الاجتهادي الجزئي بمعناه المتداول ضعيف الأثر، بل هو إجماع المدارس الثماني، بحيث لا يثبت فرض أو تحريم في العبادات إلا في ما أجمعت عليه. أما المقاصد " المنضبطة " فليست بالمعنى الفضفاض السائد، بل قواعد عامة مستقرأة من النصوص المتضافرة والعلل المطَّرِدة؛ ويضرب الكتاب أمثلة عملية في مجالات المعاملات المصرفية والعلاقات الأسرية وحقوق المرأة والعلاقة بغير المسلمين. فلا حداثة ولا تجديد ولا إصلاح، وفقا لرؤية هذا الكتاب، ما دمنا نتشبث بالنصوص الفردية ولا نقرؤها بمثل هذه المنهجية، لنفلت من دوامة الاعتدادية الفريسية والإقصاء والدغمائية. هذا في ما يخص آيات وأحاديث الأحكام، فلا مناص من اكتساب " الرؤية النقدية-التاريخية " لقراءتها. أما " آيات التأويل "، فلا بد من استعادة " الرؤية التقليدية-التأويلية " لمقاربتها. إن الوعي بتاريخيّة القرآن وتأويليّته في آن واحد ما هو إلا استجابة لجدلية حدوثه زماناً ومكاناً وقِدَمِه رؤيةً وتأويلاً.