وصف الكتاب:
لقد بدا مفهوم الولاية مسألة خلافية مثيرة لجدل كلامي وفلسفي وسياسي بين مختلف أطياف الفكر الديني الإسلامي، ولاسيما الفكر الصوفي، فاستفحل التباين بينها في مستويات عدة لعل أهمها ما تعلق بوضع المصطلحات وإنتاج المفاهيم وتشكيل الوظائف. وقد أنتج ذلك الجدل الحاد نظريات في الولاية متعددة متنوعة متباينة، تعدد الاتجاهات الصوفية وتنوعها وتباينها. فلئن كان القطب الدلالي لمصطلح ولاية في النص التأسيسي دائرا على معاني القرب والنصرة والمحبة والصداقة والتقوى والتدبير، فقد تطوّر في الخطاب الصوفي بمرور الزمن، فاتسعت دلالات الولاية وتعدّدت أبعادها وتعمقت رهاناتها، وذلك بفضل انفتاح بعض الصوفية الكبارعلى روافد فلسفية ودينية وافدة ضخت في شرايين التصوف الإسلامي دماء جديدة، وأسهمت بدورها في تشكيل صورة ولي مبهرة متألقة تحمل من آلام أهل التصوف وآمالهم الشيء الكثير. إنّ صورة الولي الصوفي إن هي إلا علامة تعجّ بالأحلام والرؤى، وهي غالباً ما تكون أحلاماً تحريضية مبشرة بعالم أجمل وأفضل وأرقى، عالم لا تقدر على صنعه إلا النماذج الباهرة المتألقة الفذة. من هنا، كانت نظريات المتألّه والباحث المتألّه وخاتم الأولياء والإنسان الكامل وغيرها معبرة، بحق، عن تشوّف أهل التصوّف إلى بناء إنسان سماوي كامل، قادر على تجاوز حالة الضعف والذلّ والاستكانة والقهر، وعن رغبتهم في إقامة المدينة الفاضلة، مدينة الأرواح، على أنقاض مدينة الأشباح.