وصف الكتاب:
إذا كانت السمة الأساسية التي طبعت نصوص الحديث النبوي منذ القديم هي سمة الخلاف في شأنه وشأن حجيته، فإن اللافت للنظر عند دراسة مكانة الحديث النبوي في الفكر الإسلامي الحديث أن المجادلات التي طبعت القرن العشرين حول الحديث النبوي تُبيّن مرحلتين قطعهما تعامل الفكر الإسلامي الحديث مع الحديث النبوي، المرحلة الأولى سيطر فيها على المصلحين، في بداية القرن العشرين، هاجس قطع الصلة بين القرآن والحديث النبوي، وهو مسعى له مشروعيته في نطاق الإصلاح الديني، وكان الدافع إليه محاولة تنزيه الإسلام، مما لحقه من تشويه التاريخ بالدعوة إلى الاقتصار على القرآن وما صحّ من أحاديث الرسول. وفي المرحلة الثانية تطور هذا الموقف العاطفي إلى موقف نقدي من رواة الحديث وكتب الصحاح والأحاديث التي ضمتها بين دفتيها، غير أن هذا الموقف النقدي كثيراً ما انزلق بأصحابه إلى أن يلبسوا جبّة نقاد الحديث القدامى حاكمين ببطلان أحاديث ومدافعين في المقابل عن أحاديث تناسب رؤيتهم الإصلاحية أو التحديثية، فكان ذلك بمثابة إعادة إنتاج جديدة لمنهج قديم عرفه الفكر الإسلامي قديماً في خضم الصراع بين أهل الرأي وأهل الحديث، وفيه كانت المرويات المنسوبة إلى الرسول يُتصارع في شأن قبولها أو رفضها وفق الموقع العقدي والفكري. وما لاحظناه بعد سنوات من إصدار الطبعة الأولى من هذا الكتاب، أن الدراسات الإسلامية لا تزال تعاني في مجال الحديث النبوي التشتت والتكرار، فقلما وجدنا تراكماً معرفياً فيه استفادة وتطوير للقضايا التي سبق طرحها في شأن الحديث النبوي... كما إن الفكر الإسلامي لم يتخلص من الانشطار الذي ولّده انقسام الإسلام إلى إسلام سنّي وآخر شيعي وثالث خارجي، فكان أن اصطبغت الحقائق المتعلقة بالحديث النبوي بهذا الواقع التاريخي، وصار من البيّن عندما نغادر تراثاً إلى تراثٍ ثانٍ، أن نرى حقائق التراث الأول في شأن رواة الحديث ونصوصه تتصدع وتتهاوى.